لكن معظم الاتجاهات الصهيونية لا تأخذ بهذا الرأي الآن، وتطرح تصوراً للهوية اليهودية على اعتبار أنها شيء نابع من مصدر آخر هو حركيات ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» المرتبط بفلسطين (إرتس يسرائيل في الخطاب الديني) . وهذا المجال الزماني المكاني هو المجال الوحيد الذي تستطيع فيه هذه الهوية أن تُعبِّر عن نفسها تعبيراً كاملاً، مثلما حدث تحت حكم المملكة العبرانية المتحدة (أو الكومنولث الأول) وحكم الدولة الحشمونية (أو الكومنولث الثاني) ، إلى أن تم هدم الهيكل.
ويرى الصهاينة أن هويات يهود المنفى المندمجين ليست إلا انحرافاً عن مسار هذا التاريخ. ولذا، فهم ينطلقون في تعريفهم الهوية اليهودية «الحقة» من انتقاد جذري لهذه الهويات، مستخدمين كثيراً من أطروحات أدبيات معاداة اليهود. فاليهود المندمجون شخصيات مريضة مصابة بالازدواج والانقسام، مشوهة وهامشية، وهم يحاولون إخفاء هويتهم اليهودية الحقة المتأصلة ويبذلون قصارى جهدهم في إظهار هويتهم غير اليهودية المُكتسَبة والإعلان عنها بشكل مُقزِّز، الأمر الذي يجعلهم يشبهون القردة التي تقلد ما لا تعي. وستُلغَى كل هذه الأوضاع الشاذة حالما يؤسس الصهاينة وطناً قومياً تتمكن الشخصية اليهودية من خلاله التعبير عن نفسها بشكل سوي تعبيراً كاملاً، بحيث يصبح اليهود شعباً مثل كل الشعوب. وسيحقق اليهود من خلال الدولة، وبوصفهم شعباً، ما فشلوا في تحقيقه بوصفهم أعضاء في مجتمعاتهم. وهذا ما يُسمَّى في المصطلح الصهيوني «تطبيع الشخصية اليهودية» . وبحسب الرؤية الصهيونية، فقد بدأت هذه العملية بالفعل في عام ١٩٤٨ـ عام إعلان الدولة الصهيونية (الكومنولث الثالث) . لكن تطبيع اليهود لا يعني تصفية الهوية اليهودية وإنما يعني منحهم هوية يهودية جديدة سوية؛ هوية اليهودي الخالص (اليهودي مائة بالمائة على حد قول بن جوريون) . وقد طُرحت تصورات عدة لمصدر يهودية هذا اليهودي الخالص ولسماته وجوهره: