وهنا يطرح بيجوفيتش مفهوم ازدواجية الطبيعة الإنسانية التي "جاء أحد جانبيها من الأرض (الطبيعة/المادة) وجاء الآخر من السماء". والوظائف البيولوجية والنشاطات الطبيعية (مثل الصيد وصنع الأدوات) هي التي جاءت من الأرض، أما النشاطات الأخرى (مثل الدين والفن) فهي ليست من سمات الإنسان الطبيعي وإنما من سمات الإنسان الإنسان، وهو كائن مركب متعدد الأبعاد، قَلق يسأل أسئلة كلية، يحمل عبء الهوية والمسئولية الخلقية، لا يمكن اختزاله في صيغ رياضية كمية كما لا يمكن رده في كليته إلى عالم الطبيعة/المادة وواحديته المادية، ولذا فهو يعيش ثنائية فضفاضة لا يمكن إلغاؤها.
الإنسان الاقتصادى والإنسان الجسمانى (الجنسى (
هناك ـ في تصوُّرنا ـ تنويعان أساسيان على فكرة الإنسان الطبيعي: الإنسان الاقتصادي والإنسان الجسماني أو الجنسي.
١ ـ الإنسان الاقتصادي: إنسان آدم سميث الذي تحركه الدوافع الاقتصادية والرغبة في تحقيق الربح والثروة، وإنسان ماركس المحكوم بعلاقات الإنتاج. وهو يعبِّر عن مبدأ المنفعة بحيث لا يعرف الإنسان سوى صالحه الاقتصادي، ولذا فهو إنسان يتسم بالتقشف والإنتاج وحب التراكم. وهو إنسان متحرر تماماً من القيمة (شأنه شأن الطبيعة) دوافعه الأساسية اقتصادية بسيطة، وتحركه القوانين الاقتصادية، وتحكمه حتمياتها (تماماً مثل الإنسان الطبيعي الذي يخضع لقوانين الطبيعة وحتميات القانون الطبيعي لا يملك تجاوزاً لها) ، إنسان لا ينتمي إلى حضارة بعينها وإنما ينتمي إلى عالم الاقتصاد العام، وهو لا يعرف الخصوصية ولا الكرامة ولا الأهداف السامية التي تتجاوز الحركة الاقتصادية، وهو يجيد نشاطاً واحداً هو البيع والشراء، وهذا هو إنسان ماركس وآدم سميث. ويُشار إلى هذا الإنسان في النظم الرأسمالية بأنه «دافع ضرائب» ، أما في النظم الاشتراكية فيمكن أن يكون «بطل الإنتاج» .