١ ـ وانطلاقاً من المفهوم الصهيوني للهوية اليهودية الحقيقية، تتصرف الدولة الصهيونية أحياناً بطريقة لا تخدم صالح أعضاء الجماعات اليهودية وإنما تخدم مصالحها هي على حسابهم. وربما تكون حادثة بولارد نقطة مهمة في هذا الصراع، فهي تمثل تصادماً بين رؤيتين للهوية: واحدة صهيونية والأخرى أمريكية يهودية. فتذهب الرؤية الصهيونية إلى أن الأمريكي اليهودي يهودي أولاً وأخيراً، ولذا لابد أن يخدم الدولة الصهيونية، في حين تذهب الرؤية الأمريكية اليهودية إلى أن الأمريكي اليهودي هو أمريكي في المقام الأول وله مصالح تختلف عن مصالح الدولة الصهيونية.
٢ ـ عندما ينظر يهود العالم، خصوصاً المتدينين منهم، إلى الدولة التي يُقال لها «يهودية» ، يكتشفون أن هويتها وهوية سكانها ليست يهودية على الإطلاق. فمعدلات العلمنة عالية للغاية بين الإسرائيليين، وهو الأمر الذي يصدم الزوار اليهود للدولة الصهيونية الذين يهربون من مجتمعاتهم الاستهلاكية ويحضرون إلى إسرائيل فيفاجأون بمجتمع إباحي مفتوح أكثر علمانية من المجتمعات غير اليهودية التي تركوها وراءهم. والواقع أن المجتمع الإسرائيلي بدأ، منذ السبعينيات، يتوجه توجهاً استهلاكياً حاداً لا يضبطه أي ضابط أخلاقي أو حضاري أو عقائدي. وهذه التساؤلات ليست مقصورة على المتدينين، فاليهود اللادينيون، أو المندمجون الذين لا يقيمون شعائر دينهم، يحاولون التمتع بشيء من الهوية والتجربة الدينية عن طريق إسرائيل. فبرغم أنهم يتمتعون تماماً بالاستهلاك والحضارة العلمانية في بلادهم، فإنهم يذهبون إلى إسرائيل ويدفعون لها الإعانات ليعيشوا تجربة دينية قومية (ولو بشكل مؤقت، وكأن إسرائيل ديزني لاند يهودية، على حد قول أحد الحاخامات) . ولكن العلمانية الصريحة للدولة اليهودية تحرمهم من هذه المتعة وتلك الإثارة.