هذا يعني، في واقع الأمر، أن العقل عقل مادي يقوم بإعادة إنتاج العالم المادي من خلال مقولات الطبيعة/المادة وحسب (لا من خلال أية مقولات إنسانية) . فيرصد الواقع باعتباره كماً وأرقاماً وسطحاً بسيطاً خالياً من الأسرار والتفاصيل المتناثرة. وهو عقل قادر على وصف ما هو عام ولكنه لا يستطيع أن يرصد ما هو خاص وفريد، وهو قادر على رصد ما هو كائن ولكنه غير قادر على إدراك ما ينبغي أن يكون، فـ «ما ينبغي» مقولة أخلاقية مثالية متجاوزة لعالم الطبيعة/المادة. ولذا، فإن العقل المادي يتعرف على الحقائق المادية فقط (يعرف ثمنها أو حجمها أو كثافتها، أي صفاتها المادية وحسب) ولكنه لا يعرف قيمتها، فالقيمة شيء متجاوز لعالم المادة. ومن ثم، لا يُوجَد بالنسبة للعقل المادي خير وشر أو عدل وظلم. وحتى إن أدرك العقل المادي قيمة شيء، فسرعان ما يرده إلى عالم المادة، فهو عقل تفكيكي عدمي قادر على تفكيك الأشياء ونزع القداسة عنها ولكنه غير قادر على تركيبها. وهو، لكل هذا، عقل لا يملك إلا أن يساوي بين الطبيعة/المادة والإنسان وأن يسوي بينهما، فيمحو ثنائية الإنسان والطبيعة لتسود الواحدية المادية، أي أن العقل المادي يصبح أداة الطبيعة/المادة في الهجوم على الإنسان بدلاً من أن يكون رمزاً لانفصاله عنها.