وإذا حاول الدارس أن يدرس أعضاء الجماعات اليهودية في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين كيهود وحسب فإنه سيحاول دون شك أن يرصد عناصر الوحدة بين هؤلاء اليهود. ومع أن هناك عناصر مشتركة قد تجمع بين هذه الجماعات، إلا أنها ليست في أهمية العناصر غير المشتركة من الناحية التفسيرية والتصنيفية. ولعل الاستعراض التاريخي الجغرافي للجماعات اليهودية يوضح هذه النقطة، فقد كانت الجماعات اليهودية في كل أنحاء العالم، في القرنين العاشر والحادي عشر، تُوجَد داخل عدة تشكيلات حضارية سياسية مستقلة وسمت كل جماعة بميسمها. وقد أصبح أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا أقنان بلاط وتجاراً ومرابين داخل النظام الإقطاعي، بل وبدأوا يواجهون مشكلة ظهور طبقات تجارية ومالية محلية. أما يهود العالم الإسلامي فلم يتسموا بتَميُّز وظيفي حاد بل وشاركوا في الثورة التجارية التي ظهرت آنذاك، وكانوا من الناحية الثقافية جزءاً لا يتجزأ من محيطهم الحضاري كما هو واضح في العصر الذهبي في الأندلس. وقد كانت أعداد من يهود فارس (وربما الهند) قد بدأت تستقر في الصين لأسباب تتصل بالحضارة الصينية (وهو تَزايُد الحاجة إلى المنسوجات الحريرية) . وكان يهود الخزر قد تبعثرت دولتهم بسبب صعود القوة السلافية الروسية وتَنصُّرها، ولكنهم كانوا يشاركون في تأسيس المجر. وكان يهود الفلاشاه قد أصبحوا جزءاً من التشكيل الحضاري الأفريقي في إثيوبيا، وكونوا قبيلتهم بل ومملكتهم وانخرطوا في الحروب القَبَلية المختلفة. ولا يمكن لإطار واحد أن يشمل كل هذه الظواهر. ولفهم سلوك هذه الجماعات وحركتها ومصيرها، لابد من العودة إلى التشكيلات الحضارية التاريخية التي كانوا يُوجَدون فيها، لا إلى جوهر يهودي يتجاوز الزمان والمكان ويشكل وحدتها الجوهرية أو إلى تاريخ يهودي يتطور حسب قوانينه الداخلية ويتطور اليهود في إطاره منعزلين عن تواريخ الجماعات التي يعيشون بين ظهرانيها.