وقد بدأت الصورة تأخذ شكلاً مغايراً مع بدايات العصور الوسطى في الغرب والعصر الإسلامي في الشرق، حيث اختفت أعداد كبيرة من اليهود من خلال عمليات الاندماج والانصهار. فمع ظهور المسيحية، تَنصَّرت أعداد ضخمة من اليهود، كما حدث في الإسكندرية على سبيل المثال. ومع انتشار الإسلام، تبنت أعداد كبيرة منهم الدين الجديد، وتحولت الجماعات اليهودية إلى جماعات صغيرة متناثرة. وكان من الصعب تخمين عدد اليهود في العالم آنذاك إذ أن الإحصاءات كانت متناقضة للغاية، ففي العالم الإسلامي كانت الإحصاءات غير موثوق بها، وفي أوربا لم تكن هناك سجلات إحصائية. ومع هذا، ترى معظم المراجع أن عدد اليهود في العالم كان يتراوح بين مليون ومليونين، وأن أغلبهم (٨٥ ـ ٩٠%) قد تركز في العالم الإسلامي مع نهاية القرن الثاني عشر. ولكننا نفضل الأخذ بالرقم مليون، خصوصاً في ضوء الأعداد اللاحقة، حيث أن عدد يهود أوربا لم يكن يزيد على نحو ١٠٠ - ٣٥٠ ألفاً (من مجموع سكان أوربا البالغ ٥٣ مليوناً) في حين وصل العدد إلى ٤٥٠ ألفاً في عام ١٣٠٠ (٣٠٠ ألف فقط عند روبين) من مجموع ٥٣ مليوناً كان معظمهم مُركَّزاً في إسبانيا. وقد بلغ تعداد يهود العالم في القرن الخامس عشر حسب أحد التخمينات الإحصائية نحو مليون وخمسمائة ألف.
وحتى ذلك التاريخ، كانت أغلبية يهود العالم من السفارد المستقرين في حوض البحر الأبيض المتوسط: روما ـ الإسكندرية ـ إسبانيا ـ المغرب (التابعة للدولة العثمانية) ـ سالونيكا ـ إيطاليا ـ فرنسا، ومن يهود العالم الإسلامي، ولم يكن الإشكناز من يهود أوربا سوى أقلية صغيرة. ثم تغيَّرت الصورة بالتدريج ابتداءً من تلك الفترة حتى أصبح الإشكناز هم الأغلبية العظمى.