ولكن من الممكن الوصول إلى تعميمات ذات مقدرة تفسيرية معقولة لو تخلينا عن الرؤية البانورامية العالمية الواسعة ومفهوم الطبقة وخفضنا مستوى التعميم واقتصرنا على الجماعات اليهودية داخل الحضارة الغربية. ويُلاحَظ أن انتماءات اليهود الطبقية داخل هذه الحضارة مُركَّبة إلى أقصى حد، ومع هذا يمكن القول بأن أحد أهم الأنماط المتكررة هو نمط الجماعة الوظيفية المالية والحرَفيِّة. والجماعة الوظيفية ليست لها علاقة مباشرة بالبناء الطبقي والاجتماعي للمجتمع، إذ تقف على هامشه وتتحدد علاقتها بالدور الذي تلعبه والوظيفة التي تضطلع بها. واليهود، كجماعة وظيفية (أقنان بلاط ـ يهود بلاط ـ يهود أرندا) ، كانوا هم أنفسهم أداة إنتاج في يد الحاكم، وكانت المواثيق التي يمنحها لهم تنص على أنهم ملكية خاصة له. وبهذا، لم يدخل أعضاء الجماعة اليهودية في علاقات إنتاج وإنما كانوا أداة تتحدد من خلالها علاقات الإنتاج؛ أداة لجمع الضرائب ولزيادة الفوائد على الربا. وقد كان وجود أعضاء الجماعة اليهودية داخل الجيتو، بمعزل عن بقية طبقات المجتمع، تعبيراً عن هذا الوضع الذي يتحدَّد من خلال الوظيفة خارج السلم الطبقي. وكان المجتمع ككل ينظر إلى أعضاء الجماعة اليهودية لا باعتبارهم أثرياء أو فقراء أو فلاحين أو نبلاء وإنما باعتبارهم مادة بشرية تضطلع بوظيفة التجارة والربا وغير ذلك من الوظائف المتميِّزة أو المشينة. وكان أعضاء الجماعة اليهودية الوظيفية، بسبب طبيعة وضعهم، يضطرون إلى التلاحم فيما بينهم، الأمر الذي كان يقلل من حدة الصراع الطبقي بين أعضاء الجماعة.