ولكن أهم العوامل التي أدَّت إلى تَحوُّل كثير من الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية، هو طبيعة المجتمع الإقطاعي في الغرب. وقد أشرنا إلى أن ظهور مثل هذه الجماعات يعود عادةً إلى وجود ثغرة في المجتمع بين رغباته وحاجاته من جهة، ومقدرته على الوفاء بها من جهة أخرى. وقد كانت مثل هذه الثغرة قائمة في المجتمع الإقطاعي الغربي، حيث كان يُوجَد نبلاء وفرسان من ناحية وفلاحون من ناحية أخرى. وكان النشاطان الأساسيان هما القتال والزراعة، أما القتال فكان مغلقاً تماماً بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية لأنها وظيفة كانت مرتبطة تمام الارتباط بطبيعة المجتمع الاقطاعي الغربي المسيحية. ورغم أن الزراعة كانت بديلاً مفتوحاً أماما أعضاء الجماعات اليهودية إلا أنه تم استبعادهم منها تدريجياً لأسباب سنبينها في مدخل آخر (انظر: «علاقة الجماعات اليهودية بالزراعة» ) . أما بخصوص النشاطات التجارية والمالية وبعض الحرف فكانت نشاطات هامشية وأحياناً وضيعة تحتاج لعنصر محايد غريب للاضطلاع بها. وقد قامت كلٌ من المدن المختلفة وأعضاء الجماعات اليهودية بسد هذه الثغرة. لكن بينما كان اندماج المدن في الاقتصاد القومي يتزايد على مرّ الأيام، حتى أصبحت جزءاً عضوياً منه وقامت بتغييره وقيادته في نهاية الأمر، كانت غربة أعضاء الجماعات اليهودية وعزلتهم وانفصالهم تتزايد، وكان وضعهم كجماعة وظيفية غير ملتحمة بالاقتصاد الوطني يتعمق. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون، في كثير من الأحيان، الأقلية الوحيدة. وقد ساهمت عمليات الطرد المختلفة (التي استمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر ووصلت إلى ذروتها مع وعد بلفور) في تدعيم هوياتهم كجماعات وظيفية لا تضرب بجذورها في أية رقعة جغرافية. ثم ظهرت الإمبريالية الغربية والاستعمار الاستيطاني، وكان أعضاء الجماعات اليهودية من أهم العناصر المهاجرة، فانتقلت كتلتهم البشرية من شرق أوربا إلى الولايات المتحدة وبعض