للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت الزراعة، في بادئ الأمر، بدائية تعتمد على مياه الأمطار والينابيع. ولكن العبرانيين أخذوا يتعلمون مهنة الزراعة بالتدريج من الكنعانيين. ولعل هذا هو الذي أدَّى إلى الابتعاد عن يهوه (إله الصحراء والرعي) والاقتراب من بعل (إله الزراعة والخصب) ، بحيث أصبحت عقيدتهم خليطاً من التوحيد اليهودي والتعددية البعلية. وكانت ملكية الأرض محدودة، ولم تظهر إقطاعيات زراعية ضخمة في بادئ الأمر. ولهذا، نجد أن الملاك الزراعيين كانوا يعملون هم أنفسهم بالزراعة لصغر ملكياتهم. ثم ظهرت بالتدريج طبقة صغيرة من كبار (الملاك) الزراعيين، وطبقة كبيرة من الفلاحين المعدمين. وبدلاً من الزراعة العائلية، ظهرت الضياع الكبيرة التي يعمل فيها هؤلاء المعدمون. ولعل ظهور مؤسسة الملْكية كان تعبيراً عن هذا الوضع وتكريساً له، فهي مؤسسة كان لها بيروقراطيتها الكهنوتية والعسكرية والمهنية، وكان القائمون عليها يستولون على ريع الأراضي وعلى المحاصيل فيزدادون ثراء وتتركز المِلْكية الزراعية في أيديهم، وقد انتهت هذه المرحلة بهدم الهيكل على يد نبوختنصر.

وعند عودة المُهجَّرين من بابل، وجدوا أن الأرض الزراعية قد أقفرت. ومن ثم أصبح النمط السائد هو الزراعة العائلية، ولكن بدأت تظهر مرة أخرى طبقتان: أقلية من كبار ملاك الأراضي، وأغلبية ساحقة من الفلاحين المعدمين. إلا أنه يُلاحَظ هذه المرة بداية التشققات الحضارية التي ساهمت في القضاء على الوجود العبراني في فلسطين، إذ أن كبار ملاك الأراضي كانوا يتبنون ثقافة الإمبراطورية الحاكمة فتأغرقوا في العصر الهيليني وتحولوا إلى جماعة وظيفية تجمع الضرائب من الفلاحين لصالح الدولة الحاكمة وتشتغل بالتجارة المحلية والدولية ليصبحوا مُستوعَبين تماماً في البنية الإدارية والثقافية للإمبراطورية، بينما ظل الريف زراعياً سامياً آرامياً.

<<  <  ج: ص:  >  >>