هذه هي الأرضية الاقتصادية المادية لظهور الأرندا الإقطاعية الاستيطانية. ولكن هذا وحده لا يكفي لتفسير ما حدث. فثمة عناصر خاصة بالتركيب الطبقي للشلاختا ورؤيتهم لأعضاء الجماعات اليهودية ووضع اليهود كجماعات وظيفية ساهمت (كلها مجتمعة أو بدرجات متفاوتة) في تشكيل هذه الظاهرة ودفعها من عالم الإمكانية إلى عالم الوجود المتحقق:
١ ـ أول هذه العناصر هو أن النبلاء البولنديين لم يكن لديهم الكفاءات أو رأس المال أو الرغبة في إدارة هذه الضياع البعيدة.
٢ ـ كان النبلاء في بولندا، برغم سطوتهم وقوة نفوذهم، خاضعين لقوانين جامدة، فكانوا يتمتعون بمكانتهم والمزايا الطبقية ماداموا لا يعملون بالتجارة. وكان اشتغالهم بالتجارة يعني، في واقع الأمر، فقدانهم مكانتهم ووضعهم. ولذا، كان يُوجَد نبلاء فقراء (النبلاء الحفاة) معدمون يفضلون الجوع والفاقة على العمل بالتجارة.
٣ ـ كان يتعيَّن على النبلاء أيضاً البقاء في وارسو بالقرب من مراكز السلطة حيث تتم عملية صنع القرار السياسي والعسكري بسبب طبيعة النظام السياسي البولندي كملكية جمهورية، وحفاظاً على المكانة السياسية والتمتع بمظاهر الأبهة الأرستقراطية.
٤ ـ كانت حاجة النبلاء الإقطاعيين إلى المال تزداد يوماً بعد يوم، وبخاصة مع تزايد فقر بولندا، فكانوا يقترضون من المرابين اليهود مبالغ طائلة للوفاء باحتياجاتهم بضمان ضياعهم وغلتها وعوائدها وريعها.
٥ ـ تزامن كل هذا مع تزايد تضييق المدن الملكية الخناق على أعضاء الجماعات اليهودية وممارسة التمييز ضدهم.
٦ ـ شهدت الفترة من ١٥٣٩ - ١٥٤٩ تَزايُد التقارب بين النبلاء وأعضاء الجماعات اليهودية الذين لم يعودوا تحت الحماية الملكية. فكان اليهود إذا طردتهم إحدى المدن الملكية انتقلوا منها إلى مدن النبلاء أو إلى الشتتلات داخل ضياع النيلاء.