للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتمكن رؤية ظاهرة معاداة اليهود في العصور الوسطى في إطار وضع اليهود كأقنان بلاط، وذلك باعتبارها ضرباً من ضروب الثورة الشعبية ضد الاستغلال. فالجماهير لم تكن تفهم آليات الاستغلال الاقتصادي وطابعها المركب ومستوياتها المباشرة وغير المباشرة، لأنها لم تكن تدرك سوى أداة الاستغلال الملموسة والموجودة أمامها، وكانت هذه الأداة هي اليهود: أقنان البلاط الذين يستخدمهم الملك ويقوم بحمايتهم. ولذلك، كانت الثورة ضد اليهود تندلع في حالة ضعف السلطة أو تَزايُد الاستغلال على معدله المحتمل أو عند غياب الملك في إحدى حملات الفرنجة.

وقد نجم عن وضع اليهود كأقنان بلاط ارتباطهم الشديد بالسلطة، وهو ارتباط استمر حتى يومنا هذا. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، ظهرت جماعة وظيفية وسيطة أخرى هي يهود البلاط الذين قاموا بخدمة الملكيات المطلقة في وسط أوربا وشرقها في الأمور المالية والتجارية والدبلوماسية، كما قاموا بتوفير الاعتمادات اللازمة لتمويل الحروب التي لم تكن تنتهي بين الأمراء والملوك.

وفي بولندا، التي كانت تضم أكبر تَجمُّع يهودي، والتي جاءت منها الأغلبية الساحقة من يهود العالم، لعب اليهود شكلاً آخر من أشكال الوساطة من خلال نظام الأرندا، فكانوا الوكلاء الماليين للنبلاء البولنديين، حيث كان النبيل يقيم في وارسو ويرسل وكيله اليهودي مع القوات البولندية ليقوم باعتصار الفلاحين الأوكرانيين. وقد جاءت معظم القيادات الصهيونية البولندية من داخل هذا التشكيل الحضاري الذي يلعب فيه أعضاء الجماعة دور أداة الاستغلال المباشرة والمنبوذة التي تمثل الحاكم وتعتمد عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>