للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن ديلتاي يشير إلى حقيقة أساسية وهي أننا قد لا نعرف العقل البشري بنفس الدرجة أو الطريقة التي تُعرَف بها الأشياء ولكن هناك مناهج أخرى غير مناهج العلوم الطبيعية. فالعلوم الطبيعية لا تنفذ إلى كينونة الأشياء والعمليات الفيزيائية، أما الجوهر الإنساني فيمكننا الوصول إليه مباشرةً من خلال تَفهُّم ومعايشة تجربة الآخر والتعاطف معها وتخيلها وفهم المعنى الذي يسقطه الفاعل الإنساني على فعله.

كما أن ثمة ثنائية جوهرية تبين الفرق بين الإنساني والطبيعي وبين مناهج العلوم الاجتماعية ومناهج العلوم الطبيعية، وهي ثنائية تتبدَّى في قول دلتاي ليس بإمكاننا أن نشرح الإنسان وإنما نحن نشرح الطبيعة بطريقة برانية ونفهم أو نتفهم (فرشتيهن) الإنسان، أي نُفسِّره بطريقة اجتهادية جوانية.

الهرمنيوطيقا

«هرمنيوطيقا» من الكلمة اليونانية «هرمنويين hermeneuin» بمعنى «يُفسِّر» أو «يُوضح» . والفعل مشتق من كلمة «هرمنيوس» وهي كلمة مجهولة الأصل وإن كان يُقال إنها تعود إلى الإله هرميس رسول الإله زيوس. وفي اللاهوت المسيحي، تشير الكلمة إلى ذلك الجزء من الدراسات اللاهوتية المَعْنيِّ بتأويل النصوص الدينية بطريقة خيالية ورمزية تبعد عن المعنى الحرفي والسطحي المباشر وتحاول اكتشاف المعاني الحقيقية والخفية للنصوص المقدَّسة (وخاصةً الإنجيل) والقواعد التي تحكم التفرُّد المشروع للنص المقدَّس. وقد استخدم هايدجر هذا المصطلح ليشير إلى أن دراسته في طبيعة الوجود الإنساني هي دراسة ميتافيزيقية (أي هرمنيوطيقية (.

والكلمة، في الوقت الحاضر، تعني محاولة فهم العالم لا باعتباره نظاماً ميتافيزيقياً وإنما باعتباره موضوع الفكر والعقل الإنساني وباعتباره تجربة معاشة (بالألمانية: ليبنزفلت Lebenswelt، أي عالم الحياة) كما أصبحت مرتبطة بالمعنى العميق (والروحي) للنصوص وتَميُّز الظاهرة الإنسانية عن الظواهر الطبيعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>