وفي العصر الحديث، ومع مشاكل التحديث في الغرب، أخذت الصورة تتغيَّر بشكل جوهري. ففي الفترة بين عامي ١٨٨٠ و١٩٣٠، عمل عدد كبير من اليهود في تجارة الرقيق الأبيض قوادين وعاهرات، وأصبحت منطقة الاستيطان في روسيا، خصوصاً جاليشيا، أهم مصدر للعاهرات في العالم بأسره، وامتدت شبكة الرقيق الأبيض اليهودية من شرق أوربا إلى وسطها وغربها، ومنها إلى الشرق، فكانت هناك مراكز في جنوب أفريقيا ومصر والهند وسنغافورة والصين. وقد أصبح البغاء جزءاً من حياة قطاعات بعض يهود اليديشية في شرق أوربا حتى صار عملاً محايداً ـ مجرد نشاط اقتصادي ومصدر للرزق ـ وتحولت قطاعات من الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية تعمل بالبغاء. وقد أشار أحد الأطباء اليهود من غرب أوربا إلى أن كثيراً من أمهات البغايا كن ينظرن إلى البغاء باعتباره مصدراً مشروعاً للرزق. ومسرحية الانتقام للكاتب اليديشي شولم آش توضح هذه الصورة، فبطل المسرحية يدير ماخوراً للدعارة في الدور الأرضي من منزله، ولكنه يصر على أن هذا لا علاقة له بالقيم الأخلاقية التي تسود بين أعضاء أسرته (وازدواجية الأخلاق هي إحدى سمات الجماعة الوظيفية) . وبغتة تفر ابنته من المنزل وتعمل بالدعارة في ماخور آخر. وحين تعود نادمة على فعلتها، يرفضها أبوها ويرسلها إلى الدور الأرضي لتعمل فيه مع بقية البغايا. وقد أصبحت البغيّ اليهودية شخصية معروفة في كثير من عواصم أوربا وإلى جوارها القواد اليهودي الذي لم يكن يكتفي بطبيعة الحال بتجنيد البغايا اليهوديات، وإنما كان يتاجر بفتيات من كل قطاعات المجتمع. وقد أصبح القفطان (زي يهود اليديشية) رمز تجارة الرقيق الأبيض، كما أصبحت اليديشية لغة هذه التجارة. وقد زاد عدد البغايا اليهوديات بشكل واضح في النمسا حيث زاد عدد اليهود في فيينا من بضعة آلاف في منتصف القرن التاسع عشر إلى مائة وخمسين ألفاً مع نهايته، وحيث زادت معدلات العلمنة بشكل واضح وتفشت قيم اللذة.