ومن أهم العناصر التي أدَّت إلى انتشار تجارة الرقيق الأبيض أن اليهود كانوا يشكلون في الحضارة الغربية جماعةً وظيفية تشتغل بكثير من الأعمال الهامشية في المجتمع، أو الأعمال المشبوهة من الناحيتين الأدبية والمادية مثل العمل بالمجاري ومثل الأعمال التي تتطلب قدراً كبيراً من الحياد كالتجارة والربا، كما كانوا يتجهون إلى الأعمال الجديدة التي تتطلب روح الريادة. وتجارة الرقيق الأبيض تنطبق عليها كل هذه المواصفات، فهي تجارة هامشية تتطلب قدراً كبيراً من الحياد وعدم الالتزام العاطفي أو الأخلاقي تجاه أعضاء المجتمع، وهي وظيفة مشبوهة أخلاقياً. كما أن الفترة التي راجت فيها هذه التجارة هي فترة مفصلية، ومثل هذه الفترات تملؤها عادةً الجماعات الوظيفية، وهي في الواقع مفصلية من ناحيتين: أولاً، كانت معدلات العلمنة في المجتمع الغربي قد ارتفعت بشدة. ولكن يُلاحَظ أن علمنة الرغبة قد سبقت علمنة السلوك، وقد نجم عن ذلك أن تفتحت شهية الإنسان الغربي لاستهلاك السلع والنساء. ولكن الحرية الجنسية لم تكن قد انتشرت بعد، ذلك لأن علمنة الرؤية الأخلاقية وعلمنة السلوك تستغرقان وقتاً أطول. كما أن أعضاء الجماعات اليهودية في هذه المرحلة كانوا قد فقدوا دورهم التقليدي داخل قطاعات اقتصادية معيَّنة، وفقدوا مكانتهم السياسية، وكان القهال كتنظيم اجتماعي سياسي قد تآكل تماماً. وفي الوقت نفسه لم يكن قد تم دمجهم في المجتمعات الغربية. وقد تزامنت هذه المرحلة الانتقالية مع المرحلة المفصلية نفسها التي أشرنا إليها. ومن الملاحظ أن هذه المرحلة نفسها هي التي شهدت ازدهار اللغة اليديشية والفكر الصهيوني وحزب البوند. ومع نهاية المرحلة المفصلية، اختفت معظم هذه الظواهر بسبب اندماج يهود العالم الغربي في مجتمعاتهم، وكذلك بسبب إبادتهم.