وقد عمَّق حدودية اليهود بعض الأفكار الدينية اليهودية والمسيحية الغربية: أولها فكرة الشعب الشاهد (الكاثوليكية) التي ترى ضرورة الحفاظ على اليهود في حالة ضعَة ومذلة ليقفوا شاهداً على عظمة الكنيسة، والشعب الشاهد ليس جزءاً من المجتمع إذ يجب عليه أن يقف على الحدود كي يشهد على كل شيء ويشاهده. والفكرة الثانية هي فكرة الماشيَّح اليهودية، أي الملك الذي سيأتي من نسل داود ليخلِّص اليهود من نير الأغيار ويعود بهم إلى وطنهم القومي، ويقف بذلك شاهداً على عظمة اليهود وعلى ضعَة الآخرين. ولقد ساهمت الفكرتان معاً في تعميق غربة اليهود وانعزالهم وتفكيك أواصر الصلة بينهم وبين البلاد والشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها. ثم جاء الفكر البروتستانتي الاسترجاعي فمزج الفكرتين، وأصبح الشعب الشاهد هو نفسه الشعب المقدَّس الذي يجب استرجاعه إلى فلسطين لتنصيره حتى يتم التخلص منه والخلاص للجميع. وتنطوي كل هذه الرؤى الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية، على افتراض مفاده أن اليهود شعب غريب لا جذور له.
ولقد أصبحت حدودية اليهود في المجتمع الغربي وضعاً طبقياً ووظيفياً محدَّداً يسانده بناء فكري وديني، وهو ما يعني أن هذا الوضع كان قائماً على مستوى الواقع وعلى مستوى الوعي. وبذا تحددت صورتهم وتبلورت، وتحدَّد دورهم كعنصر وظيفي وسيط. وقد تعاملت معهم أوربا في هذا الإطار حتى عام ١٩٥٠ تقريباً؛ أي بعد الإبادة النازية وقيام الدولة الصهيونية واندماج يهود الولايات المتحدة.