والقانون العام الذي يمكننا استخلاصه هو أن العنصر اليهودي داخل الحضارة الغربية يُنظَر إليه باعتباره عنصراً وظيفياً حدودياً. ولهذا، فلابد أن تتحول فلسطين هي الأخرى، من منظور المصالح الغربية، إلى بلد وظيفي حدودي. وهذا يمكن تحقيقه من خلال خَلْق وضع تجزئة دائم في العالم العربي الإسلامي. وحينما تصبح فلسطين بلد حدودياً تسيطر عليها دولة وظيفية، يمكن توطين العنصر اليهودي الوظيفي الحدودي فيها. ومن هنا كان رفض الدول الغربية جميع المحاولات الرامية إلى توحيد المنطقة، ابتداءً من محاولة صلاح الدين الأيوبي، مروراً بمحمد علي، وانتهاءً بمحاولة جمال عبد الناصر. وربما كان الفارق الأساسي بين هجمة الفرنجة والهجمة الاستعمارية الصهيونية أن الأولى لجأت إلى ديباجات مسيحية لا علاقة لها بالهدف الإستراتيجي النهائي وأنها صدَّرت عناصر بشرية مسيحية. أما الثانية فقد اكتشفت أن العنصر اليهودي عنصر حدودي وظيفي داخل الحضارة الغربية، ولذا لجأت هي الأخرى إلى ديباجات يهودية لا علاقة لها بالهدف الإستراتيجي النهائي. ويعني وعد بلفور، في نهاية الأمر، فرض الصفة الحدودية على فلسطين عن طريق الاستعمار البريطاني، كما يرمي إلى توطين العنصر اليهودي الحدودي فيها لخدمة مصالح الحضارة الغربية. ولم يكن بلفور في هذا إلا تعبيراً عن نمط كامن في الحضارة الغربية يستند إلى رؤية كاملة لفلسطين باعتبارها حيزاً جغرافياً يجب أن يوظَّف لصالح الحضارة الغربية، وإلى اليهود باعتبارهم عنصراً استيطانياً يمكن توظيفه في هذه العملية.