والحديث عن هامشية اليهود فيه كثير من التعميم والتجريد. فالهامشية المقصودة هي هامشية يهود شرق أوربا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وحسب، لأن الدور اليهودي (الوظيفي التجاري المالي) في المجتمعات الزراعية التقليدية في الغرب كان دوراً حيوياً، إذ اضطلع أعضاء الجماعات اليهودية بوظيفة أساسية في المجتمع رغم أنها لم تكن جزءاً من العملية الإنتاجية الرئيسية. أما الوجود اليهودي في العالم الإسلامي فلم يكن هامشياً قط، حيث تفاعلوا في محيطهم الحضاري واصطبغوا به فأبدعوا من خلاله وانخرطوا في سائر المهن والوظائف. كما أن الوجود اليهودي في الولايات المتحدة لم يكن أبداً هامشياً وإنما كان في صميم المجتمع ذاته من البداية. كما لا يمكننا استخدام مصطلح «هامشي» لوصف الوجود اليهودي في فرنسا أو إنجلترا أو روسيا السوفيتية (سابقاً) ، فالبناء الوظيفي لأعضاء الجماعات اليهودية في كل هذه البلاد لم يَعُد متميِّزاً كما كان الأمر سابقاً. وإذا كان ثمة تميُّز، فإنه يعود لكون الجماعة اليهودية أقلية أو جماعة وظيفية وليس لأنها يهودية. وإذا كان هناك أي وجود هامشي غير منتج حتى الآن، فهو وجود الدولة الصهيونية الوظيفية المموَّلة من الخارج التي أُسِّست على أرض الفلسطينيين وحوَّلتهم إلى عمالة رخيصة وتستمر في قمعهم وإجهاض تطلعاتهم وأحلامهم المشروعة.