» اللغات السرية» هي لهجات ورطانات خاصة، بل أحياناً لغات، يستخدمها أعضاء الجماعات الوظيفية. وهذه اللهجة أو الرطانة أو اللغة عادةً ما تختلف عن لغة المجتمع المضيف أو مجتمع الأغلبية. وقد كان تحدُّث هذه اللغة يُعدُّ شرطاً للانخراط في سلك الجماعة. فكان المماليك يتحدثون فيما بينهم الشركسية (أو إحدى اللغات التركية) ، ويتحدث الصينيون من أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة في جنوب آسيا لغتهم، ويتحدث العرب في أفريقيا لغتهم العربية. أما أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة من اليهود في شرق أوربا، فكانوا يتحدثون اليديشية. ويُلاحَظ أن بعض أعضاء النخبة الحاكمة المصرية قبل ثورة ١٩٥٢ كانوا يتحدثون التركية (أو العربية المطعمة بالتركية) كمظهر من مظاهر التميز والعزلة والانتماء للجماعة الوظيفية الحاكمة. وهذا هو مصدر النمط السائد في الكوميديا المصرية بعد الثورة - المصري/التركي منتفخ الأوداج المتعجرف، الذي يتحدث هذه اللهجة كإحدى علامات التميز. ولكن تعجرفه ليس له ما يسانده في الواقع، فهو عضو جماعة وظيفية حاكمة فقدت وظيفتها. ويبدو أن التحدث بإحدى اللغات الأوربية بين أعضاء النخب الحاكمة والثقافية في العالم الثالث (والتي تحوَّلت إلى ما يُشبه الجماعة الوظيفية التي تخدم مصالح الاستعمار والنظام العالمي الجديد) قد أصبح هو الآخر رمز الانتماء للجماعة الوظيفية، فالمتحدث بهذه اللغة يبيِّن كفاءته، وهو في الوقت نفسه يعزل نفسه عن الجماهير التي لا تتحدث سوى لغة الوطن!