إن النموذج الفعال، الذي يُستخدَم أثناء صياغة الفروض في الرسائل الجامعية وفي عملية التأليف، يعيش في ظلال النماذج المستقاه من العلوم الطبيعية، ولذا نجده لا يُفرِّق في كثير من الأحيان بين مناهج البحث في العلوم الطبيعية وفي العلوم الإنسانية، ولا بين الظواهر الطبيعة والظواهر الإنسانية. وحيث إن النموذج الفعال مستبطن بشكل غير واع فإنه لا يُعلن عن نفسه بصراحة إلا في حالات نادرة (وعلى كل، من يجرؤ أن يصرح بالقول بأن الإنسان والشيء لا فرق بينهما؟) إلا أنه مع هذا يتبدَّى من خلال مجموعة من الافتراضات والآراء والاختيارات. فيُلاحَظ على سبيل المثال أن ثمة إيماناً في حقل العلوم الإنسانية بأن هناك معنى واحداً نهائياً صائباً ننجح في الاقتراب منه إن تحلينا بالموضوعية والحياد. ويسود الاعتقاد بأن المعرفة سلسلة مترابطة الحلقات كل حلقة تؤدي إلى التي تليها، ولا يمكن تَخطِّي الحلقات المتجاورة لأن سلسلة المعرفة ـ حسب هذا التصوُّر ـ سلسلة تراكمية صلبة (تماماً كما هو الحال في حقل العلوم الطبيعية) ، ومفهوم السببية الذي يسود فيها هو بنفس الصلابة. وتأخذ عملية التأليف من ثم شكل إضافة معلومات الواحدة للأخرى ومراكمتها، ويصبح التأليف هو إجراء تجارب في إطار النظرية العامة السائدة حتى نزداد اقتراباً من الحقيقة الواحدة (التي تعادل القانون الطبيعي أو الرياضي في العلوم الطبيعية) .