للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُعتبَر حادثة دمشق من أشهر تهم الدم، وقد وقعت عام ١٨٤٠ حين كانت سوريا تحت الحكم المصري. وتكاد تكون هذه الحالة المرة الوحيدة التي وجِّهت فيها تهمة دم لأعضاء الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي. فقد اتُهم يهود دمشق بقتل راهب من الفرنسيسكان يُدعَى الأب توماس الكبوشي وخادمه المسلم إبراهيم عمارة لاستخدام دمائهما في أغراض شعائرية وفي صنع خبز عيد الفصح غير المخمر (ماتزوت) . وقد أُشيع أن الأب توماس شوهد آخر مرة وهو يهم بالدخول إلى حارة اليهود، فتم تفتيش الحي اليهودي بتحريض من الكاثوليك المحليين يتزعمهم القنصل الفرنسي، وقُبض على زعماء اليهود ومات منهم اثنان أثناء التحقيق، وأشهر واحد إسلامه وحُكم على الباقين بالإعدام.

وقد تفاقمت ردود فعل هذه القضية بسبب الصراع السياسي للأوربيين للحصول على النفوذ في الشرق الأوسط. ولا يمكن رؤية هذه الحادثة إلا في إطار النشاط التبشيري الاستعماري في فلسطين والشام، والذي كان تعبيراً عن الصراع بين الدول الاستعمارية الكبرى. إذ كانت كل دولة تحمي أعضاء جماعة دينية بعينها، فكان الروس يحمون الأرثوذكس وكان الفرنسيون يحمون الكاثوليك. وربما لعدم وجود عدد كبير من البروتستانت، قام الإنجليز «بحماية» اليهود. ومن هنا، يُعَد الصراع بين الكاثوليك المحليين (بزعامة القنصل الفرنسي) واليهود تعبيراً عن الصراع على النفوذ. ومما له دلالته أن احتجاج يهود فرنسا ومناشدتهم لحكومتهم لم يأت بنتيجة، في حين أدى احتجاج يهود إنجلترا إلى تحرك بالمرستون ومطالبته محمد علي بأن يعامل اليهود معاملة حسنة (باعتبارهم عنصراً يهدف إلى حمايته) ، وأدى تدخُّل أدولف كريميه وموسى مونتفيوري ومقابلتهما لمحمد علي في الإسكندرية، ثم لقاؤهما مع السلطان عبد الحميد في إستنبول إلى الإفراج عن المتهمين وإسقاط التهمة عنهم.

وقد أصدر السلطان العثماني فرماناً يدين تهمة الدم ويعتبرها قذفاً في حق اليهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>