للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانت شكوكهم في محلها، فبعد توحيد الشمال مع الجنوب فُتح الجنوب أمام الصناعات الشمالية التي هاجرت لتستفيد من العمالة الرخيصة والأراضي قليلة التكاليف والسوق البكر، وهي صناعات لم تخدم تقاليد المجتمع كثيراً، بل ساهمت في تفكيك نسيجه المجتمعي وفي تحطيم بناء الأسرة، فكان الأطفال يعملون في المصانع ساعات طويلة، وكذا النساء. وأدَّى دخول الصناعات إلى تزايد معدلات التحديث والعلمنة بكل ما يتبع ذلك من تفكك اجتماعي، في المراحل الأولى على الأقل، خصوصاً وأن هذه الصناعات لم تظهر نتيجة تطوُّر عضوي وتفاعُل عناصر محلية وظهور بورجوازية في رحم المجتمع ذاته، وإنما فُرضت عليها فرضاً من مجتمع اليانكي الشمالي.

كان ليو فرانك رمزاً لهذه القوة الغازية، فقد كان شمالياً في الجنوب، صاحب ومدير مصنع في مجتمع زراعي ينظر بعين الشك إلى الصناعة، يقوم باستئجار النساء والأطفال كعمالة رخيصة في ظل مجتمع يقدس الأسرة حتى عهد قريب. وكان يُشار إلى ماري فيجان على أنها «عاملة المصنع الصغيرة» ، أي أنها تحوَّلت إلى رمز الطفولة البريئة التي استغلها المستثمرون من الشمال. وكان فرانك عضواً في النخبة العلمانية المهيمنة التي لا تكترث كثيراً بالقيم التقليدية في وسط بيئة جنوبية عمالية مقتلعة من بيئتها الزراعية، لا تزال تؤمن بالقيم التقليدية والمسيحية وتحلم بالمجتمع المتماسك الذي دُمِّر إبَّان الحرب الأهلية. ولم تكن يهودية فرانك سوى البؤرة التي جمعت كل هذه العناصر السابقة وبلورتها، إذ أن المعركة الحقيقية كانت بين الشمال الصناعي الغازي والجنوب الزراعي الذي تم غزوه، وبين ضحايا التقدم من ناحية والصناعة وممثلي هذا المجتمع الجديد الرهيب من ناحية أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>