وعلاوة على هذا، كان الجو العام في فرنسا آنذاك متوتراً، وخصوصاً إزاء أعضاء الجماعة اليهودية، بعد هزيمة الجيش الفرنسي على يد بروسيا عام ١٨٧٠. وكانت العناصر الليبرالية التي تضم نسبة عالية من أعضاء الجماعة اليهودية تقف ضد فكرة الانتقام من ألمانيا. كما كان المد العلماني آخذاً في التزايد وفي الإصرار على فصل الدين عن الدولة. هذا إلى جانب أن الثورة الصناعية اقتلعت الكثيرين من جذورهم وأدَّت إلى إفقارهم وقذفت بهم في المدن الكبرى (مثل باريس) . وكان هؤلاء المُقتلَعون يشعرون بانعدام الأمان في المجتمع الجديد (بعلمانيته وثوريته وقيمه التجارية) والذي كان اليهود يوجدون في مركزه. وإلى جانب كل ذلك، كان هناك أيضاً عدد كبير من اليهود بين قيادة كومونة باريس في عام ١٨٧١. وأدَّى هذا كله إلى الربط بين الجماعة اليهودية والعناصر الثورية والعلمانية والفوضوية في المجتمع. ولكن من المفارقات التي تستحق التأمل أن أعضاء الجماعات اليهودية ارتبطوا في الوقت نفسه في الوجدان الأوربي، منذ العصور الوسطى حتى العصر الحديث، بالمصالح المالية الكبيرة، والبنوك والشبكات المالية والتجارية، وهي صورة دعمها بروز أسرة روتشيلد في عالم التجارة والمال.
وهكذا، أصبح اليهودي رمزاً متبلوراً لكثير من العناصر محط شك الجماهير وكرهها، فهو الأجنبي البغيض، وهو الثوري العلماني التقدمي الذي يحمل لواء المجتمع الجديد المدمر، وهو أيضاً رجل المال الذي لا يكترث بأية قيم سوى الربح، ولا يرتبط بأي أرض سوى السوق. وقد كانت الصحف المعادية لليهود تشير إلى دريفوس باعتباره ألزاسياً وأجنبياً وعضواً في طبقة المموِّلين الأثرياء.