يميل العقل الإنساني، إن لم يجد نموذجاً تفسيرياً ملائماً لواقعة ما، إلى ردها إلى يد أو أياد خفية تُنسَب إليها التغييرات والأحداث كافة. فالأحداث ـ حسب هذا المنظور ـ ليست نتيجة تفاعل بين مركب من الظروف والمصالح والتطلعات والعناصر المعروفة والمجهولة من جهة وإرادة إنسانية من جهة أخرى، وإنما هي نتاج عقل واحد وضع مخططاً جباراً وصاغ الواقع حسب هواه، وهو ما يعني أن بقية البشر إن هم إلا أدوات. ومن أهم تجليات هذا النموذج الاختزالي ما يُقال له «المؤامرة اليهودية الكبرى» أو «المؤامرة اليهودية العالمية» والتي تفترض أن أعضاء الجماعات اليهودية يُكوِّنون كلاًّ واحداً متكاملاً متجانساً، وأن لهم طبيعة واحدة، وأن اليهودي شخص فريد لا يخضع للحركيات الاجتماعية التي يوجد فيها، ولا ينتمي إلى الأمة التي يعيش بين ظهرانيها. وهو يقف دائماً مقابل الأغيار (غير اليهود) ، إذ أن ثمة خاصية ما في اليهود، وخصوصية كامنة فيهم، تجعل من العسير على كل المجتمعات الإنسانية دمجهم، أو استيعابهم، وتجعل اندماجهم فيها عسيراً.