للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضية عداء العرب لليهود واليهودية (عداء العرب للسامية) مسألة مركبة متعددة الأبعاد، تختلف عن معاداة اليهود واليهودية في الغرب. فتاريخياً تحوَّلت أعداد من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي إلى جماعات وظيفية، ولكنهم لم يكونوا الأقلية الوحيدة التي تضطلع بهذا الدور. فالعالم الإسلامي، على عكس الغرب المسيحي، يضم جماعات دينية وإثنية كثيرة. كما أن النشاط التجاري، والنشاطات المالية والوسيطة على وجه العموم، لم تكن مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية دون غيرهم.

ورغم أن اليهود (وبني إسرائيل) أتى ذكرهم في القرآن عشرات المرات وتحت مسميات مختلفة في سياقات معظمها سلبي، إلا أن رؤية الخلاص الإسلامية لم تعط اليهود أية مركزية خاصة، ولذا لم يكن اليهود يمثلون إشكالية خاصة بالنسبة للفقه الإسلامي. وقد ظهرت بعض الأعمال الأدبية والفكرية داخل التشكيل الحضاري العربي والإسلامي تحاول اختزال أعضاء الجماعات اليهودية من خلال صور إدراكية نمطية سلبية، إلا أن اليهود لم يحتلوا أي مركزية خاصة في الوجدان الأدبي والثقافي العربي والإسلامي. وقد استقر وضع أعضاء الجماعات اليهودية داخل الحضارة العربية والإسلامية في إطار مفهوم أهل الذمة الذي حدد حقوقهم وواجباتهم. ومن ثم فلم يعرفوا المذابح أو عمليات الطرد المتكررة التي تسم علاقتهم بالحضارة الغربية في بعض الفترات. هذا لا يعني أن تجربة يهود العالم الإسلامي مع المجتمعات الإسلامية التي ينتمون إليها كانت خالية من التدافع أو الصراع والظلم (الذي يتنافى مع تعاليم الإسلام ومفهوم أهل الذمة) وأنها كانت عصراً ذهبياً ممتداً، فهذا ليس من طبائع البشر ولا من طبيعة المجتمعات البشرية. كل ما نود تأكيده أن أعضاء الجماعات اليهودية تمتعوا بقدر معقول من الاستقرار والطمأنينة، الأمر الذي أدَّى إلى اندماجهم في مجتمعاتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>