ما ينطبق على الإنسان ينطبق، بطبيعة الحال، على عقله الذي يرصد الكون، فقد اكتشفنا أن العقل قاصر وله حدوده الخاصة ولا يمكنه تسجيل كل المعطيات المادية المحيطة به ولا الإحاطة بكل جوانب الفعل. نعم ينطبع الواقع على خلايا المخ، ولكن عدد الانطباعات الحسية في أية لحظة يكون هائلاً لدرجة يستحيل معها تسجيله. والعقل، رغم هذا، بل بسبب هذا، أبعد ما يكون عن السلبية والبساطة، فهو ليس بصفحة بيضاء تتراكم عليها المعلومات وتصبح معرفة من تلقاء نفسها، فالعقل في أبسط العمليات الإدراكية فاعل فعال، مبدع حر، يتمتع بقدر من الاستقلال عن المعطيات المادية المحيطة به وعن قوانين الطبيعة/المادة، فاللحظة الحسية في عملية الإدراك ليست سوى لحظة.