وكما هو معروف، صدر وعد بلفور الذي ينطوي، بشكل ضمني، على إمكان تحويل اليهود إلى عناصر تدين بالولاء للاستعمار الإنجليزي. ورغم هذا، استمرت رئاسة المنظمة الصهيونية الموجودة آنذاك في ألمانيا في التقرب إلى النظام الحاكم، واستمرت في بذل المحاولات لاستصدار وعد بلفوري ألماني. ولكن هذه الجهود لم تُثمر، بسبب علاقة ألمانيا الخاصة بالدولة العثمانية ورفض الخليفة العثماني الموافقة على المشروع الصهيوني حتى ولو تم في إطار المشروع الاستعماري الألماني. ومع هذا، أصدرت الحكومة الألمانية (بعد صدور وعد بلفور) تصريحاً مبهماً يشبه وعد بلفور من بعض الوجوه، تَعد فيه بمساعدة المشروع الصهيوني على أمل أن تجند يهود العالم لصالحها وتكسبهم إلى صفها. وقد جاء هذا التصريح متأخراً، ولم يؤد في النهاية إلى شيء يُذكر. ولكن ما يهمنا في هذا السياق هو أن التعامل مع اليهود (باعتبارهم جزءاً من المشروع الاستعماري الألماني) يُعتبَر (في جوهره) تهميشاً لهم من منظور المشروع القومي الألماني، فهو يعطيهم حقوقاً للاستيطان في فلسطين، كما يمنحهم الحق في التمتع برعاية الحكومة الألمانية «خارج» ألمانيا، الأمر الذي يعني ضمناً إنكار حقوقهم «داخلها» . فقد كان الاستعمار الاستيطاني هو الإطار الذي يتم من خلاله تصدير الفائض البشري غير المرغوب فيه إلى الشرق. ولكن القيادة الصهيونية، بقبولها هذا الإطار، رضيت بالتعريف الضمني الكامن لليهود كعنصر غريب غير منتم يجب أن يتم تصديره عن طريق التهجير. وهذا، على كل حال، هو التعريف الصهيوني (الواضح) لليهود.