١ ـ كان النظام النازي بمنزلة يوتوبيا تكنولوجية تكنوقراطية حقة تم تنظيمها تنظيماً هرمياً، ففي قاعدته تقف جماهير الشعب العضوي المتماسك تعلوه نخبة من العلماء والساسة، يدورون جميعاً في إطار واحد هو الدولة القومية التي تَجُّب مصالحها كل المصالح. وعلى قمة الهرم يقف الفوهرر: التجسد المادي والمحسوس للمطلق العلماني (الشعب العضوي والدولة) الذي تركزت فيه جميع القوى الحيوية الكامنة في النسق، وهو القادر على تحريكها، وهو القادر على حسم كل الاختيارات السياسية والاجتماعية والأخلاقية، تساعده النخبة العلمية والسياسية الحاكمة.
هذا الهرم الدارويني المنظم تنظيماً دقيقاً تحرك بشكل محايد ليدافع عن مصلحته، كما يراها هو، وعن منفعته، كما حددها هو، أو كما حددتها النخبة الحاكمة من علماء وساسة! وكانت حركة الهرم النازي تتسم بالحياد الصارم، والتجرد المذهل من القيم والعواطف والغائيات الإنسانية. وكانت واحدة من أهم مؤسسات الإبادة تُدعَى «مؤسسة تدعيم القومية الألمانية» ، وقد أُسِّست عام ١٩٣٩ لتوظيف العناصر الألمانية غير المرغوب فيها. وكان هملر (الذي أُسندت له مهمة إدارة هذه المؤسسة القومية) يرى أنها تجسد قيمة قومية عضوية مطلقة، فهي تخدم المصالح العليا المطلقة لألمانيا، وكان رجاله يؤدون واجبهم بأمانة وإخلاص شديدين لوطنهم.