للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتبلور هذه النقطة في قضية المسئولية الخُلقية للتنفيذيين النازيين، فهناك من ينطلق من المنظور الترشيدي المادي الإجرائي المنفصل عن القيمة ويذهب إلى أن المواطن النازي الذي اشترك في عمليات الإبادة لم يكن سوى بيروقراطي، موظف تنفيذي ("عبد المأمور"، كما نقول بالعامية المصرية) ، يؤدي عمله بكفاءة عالية، ويُنفذ ما يصدر إليه من أوامر تأتيه من علٍ، ولا يتساءل عن مضمونها الأخلاقي ويُنفذها حتى لو تنافت مع القيم الأخلاقية والإنسانية المطلقة. فهذا الموظف لا يدين بالولاء الكامل إلا للدولة والوطن ولا يعيش في ازدواجية الدين والدولة أو الأخلاق والدولة، فالمطلق الوحيد الذي يؤمن به، شأنه في هذا شأن أي إنسان علماني شامل، هو الدولة والوطن، ولذا فعليه أن يذعن لما يصدر له من أوامر تأتيه من هذه الدولة التي تخدم صالح الوطن. وهذا ينطبق على الأوامر النازية الخاصة بالإبادة!

ولكن هناك آخرون، ممن يؤمنون بالمطلقات الأخلاقية والإنسانية، يذهبون إلى أن الإنسان الفرد كائن حر مسئول، ولذا فعليه أن يتحمل المسئولية الأخلاقية الكاملة لما يأتيه من أفعال، ومن ثم عليه أن يقف ضد عمليات إبادة الضعفاء (من المسنين والمعوقين وأعضاء الأقليات) ، حتى لو كانت عملية الإبادة تخدم «الصالح العام» أي صالح الدولة والوطن! أي أن الإنسان الفرد يدين بالولاء لمجموعة من القيم الأخلاقية والإنسانية المطلقة تتجاوز ولاءه للدولة والوطن وكفاءة الأداء في الوظيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>