ولنأخذ عصابات المافيا على سبيل المثال. جعل عضو المافيا هدفه في الحياة (النموذج الحاكم الذي يحركه) سلب الآخرين حياتهم وممتلكاتهم وأعراضهم، فهو ذئب بشري كامل، ترجمة حقيقية لإنسان هوبز وداروين ونيتشه. ومع هذا، نجد أن عضو المافيا هذا يُبقي على علاقات التراحم مع أعضاء أسرته وعصابته وقد يُضحي بحياته من أجلهم. فالنموذج الأصغر الهامشي التراحمي الذي يتعامل المجرم من خلاله مع حياته الخاصة يتعايش مع النموذج الأكبر الرئيسي الحاكم المادي الإجرامي. وسواء أكان المجرم يدرك هذا التناقض أم لا، فهذا أمر ثانوي لا يهمنا، إذ أن ما يهمنا هو هذا التعايش في حياته اليومية. وأعضاء الجماعات الوظيفية يعيشون في مثل هذه الثنائية الصلبة التي تقترب من الثنوية، فهم متراحمون فيما بينهم، محايدون تعاقديون مع أعضاء مجتمع الأغلبية.
والمجتمعات الاشتراكية كانت أكثر تنوعاً وحيوية وإنسانية من الرؤية الاشتراكية المادية. فالإنسان السوفيتي الفرد، رغم إخضاعه بشكل شرس لعمليات الترشيد المادية الاشتراكية، لم يكن قط ذلك الإنسان الاشتراكي الأممي الذي كانت تتحدث عنه كتب الدعاية السوفيتية. والإنسان الأمريكي الفرد، رغم خضوعه للعمليات القمعية التدجينية التي تقوم بها الإعلانات التي تهاجم أولاده ومنزله ليل نهار ولعمليات غسيل المخ التي يقوم بها الإعلام الأمريكي بطريقة مصقولة ذكية لا يعرف التاريخ لها مثيلاً، احتفظ بقدر من الإنسانية والتركيب يجعله مختلفاً عن إنسان الحلم الأمريكي والإعلانات المتكررة والأكاذيب السياسية اليومية.