ومع هذا، يُلاحَظ أن موقف الكنيسة اللوثرية من اليهود أثناء الفترة النازية يختلف باختلاف البلد والانتماء السياسي، فالأوساط المحافظة كانت تؤيد النازيين في حين وقفت العناصر الليبرالية ضدهم. وبينما كان موقف الكنيسة في ألمانيا ممالئاً للنازيين، وقفت الكنيسة اللوثرية ضدهم في السويد والدنمارك. بل إن بعض كبار المفكرين اللوثريين الألمان تنبهوا إلى العلاقة الوثيقة بين فكرة الشعب الواحد الصهيونية، والأفكار النازية التي تُقدِّس التراث القومي. وفي عام ١٩٨٢، عُقد مؤتمر بمناسبة مرور خمسمائة عام على مولد لوثر وحضره ممثلون عن الكنائس اللوثرية، وأعلن الحاضرون فيه رفض أفكار مؤسس الكنيسة اللوثرية المتصلة باليهود.
ولا يتسم موقف المفكر الديني البروتستانتي جون كالفن (١٥٠٩ ـ ١٥٦٤) بهذا الوضوح والعنف، فلم تكن لديه علاقة كبيرة بأعضاء الجماعات اليهودية سواء في فرنسا أو سويسرا. ومع هذا، فقد كتب كالفن كتيباً أخذ شكل حوار بين يهودي ومسيحي يحاول كل منهما أن يدافع عن عقيدته ويدحض عقيدة الآخر.
ولكن أثر كالفن في أعضاء الجماعات اليهودية يظهر بشكل غير مباشر، فقد أباح كالفن الربا، وهو ما أسبغ شرعية على أحد النشاطات الاقتصادية الأساسية للجماعات اليهودية. كما أن البروتستانتية الكالفنية التي ابتدعها كالفن، والتي سيطرت على معظم العالم الأنجلو ـ ساكسوني، ساهمت في ظهور الرأسمالية حسب أطروحة ماكس فيبر. وهو الأمر الذي ترك أثراً عميقاً في اليهود. وقد كان اهتمام كالفن بالعهد القديم بالغاً، كما ركز تركيزاً قوياً على النزعة القانونية والتقيد الحرفي والمفرط بالقانون. ومن هنا كان قربه من روح العقيدة اليهودية واتهامه، مثل كثير من المفكرين البروتستانت الأوائل، بأنه يهودي أو من دعاة التهويد. وثمة صدى لهذا الاتهام حتى في كتابات ماركس الذي وصف سيطرة البورجوازية على المجتمع بأنها عملية تهويد له.