للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المفارقات أنه حين بدأت أوربا في نبذ اليهود، اكتسب يهود أوربا مركزية بين يهود العالم بسبب ثقلهم السكاني (إذ أصبحوا يشكلون غالبية يهود العالم) وزاد وزنهم الثقافي مع تزايُد طباعة الكتب العبرية، وكذلك بسبب تزايد أهمية أوربا في العالم مع تزايد غزواتها الإمبريالية لأركان المعمورة الأربعة. ويُلاحَظ أن ظاهرة يهود البلاط بدأت في هذه الفترة ولكنها لم تتبلور إلا في القرن السابع عشر الميلادي. وقد بدأ تحرُّك أعضاء الجماعات اليهودية مع التشكيل الاستيطاني الغربي في هذه المرحلة، وهي عملية انتهت في الوقت الحاضر بوجود معظم يهود العالم في بلاد استيطانية.

ويُلاحَظ أنه، في هذه الفترة، بدأ ظهور الفكر الصهيوني بين المسيحيين في البلاد البروتستانتية على وجه العموم وفي إنجلترا على وجه الخصوص. وهو فكر يذهب إلى أن خلاص العالم لن يتم إلا بالاستيلاء على فلسطين واسترجاع اليهود، أي عودتهم لها، وتنصيرهم حتى يتم الإعداد لعودة المسيح المخلِّص. والفكرة الصهيونية هي ذاتها الفكرة الاسترجاعية مع إحلال العنصر اليهودي محل العنصر المسيحي.

وعصر النهضة، كما أسلفنا، هو عصر الاكتشافات الجغرافية وبدايات الرأسمالية المركنتالية برغبتها في التوسع. ومن ثم، بدأت الفكرة الاسترجاعية في كسب المؤيدين لها، وبخاصة في البلاد البروتستانتية، وبدأ الحديث عن عودة اليهود إلى صهيون أي فلسطين. وبدأت محاولات إنشاء مستوطنات يهودية خارج أوربا، وقد جرت أولى المحاولات الاستيطانية في العالم الجديد. ولكن عصر النهضة، وانقلابه التجاري، والأفكار الصهيونية المسيحية التي سادت خلاله، لم تكن سوى إرهاصات للثورة الفرنسية والصناعية وللحركة الإمبريالية التي تركت أثرها العميق في العالم بأسره، وفي الجماعات اليهودية بطبيعة الحال.

عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر)

The Enlightenment (Eighteenth Century)

<<  <  ج: ص:  >  >>