للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أهم وظائف النموذج وظيفته الإدراكية الإنسانية الفطرية، فهو يحتوي على رؤية الإنسان للكون (مسلماته الكلية) التي يرتب الحقائق وينظم المعلومات على أساسها، وذلك أثناء أبسط عمليات الإدراك. فكأن وظيفة النموذج هنا وظيفة فطرية، ومن ثم يمكن تسمية النموذج من حيث هو أمر فطري «النموذج الإدراكي» . فنحن حين نقول إن فلاناً «دمنهوري» أو «بريطاني» فنحن في واقع الأمر نستدعي صورة ذهنية تؤكد بعض الصفات وتستبعد صفات أخرى. ويمكن القول بأن كل المناهج البحثية تستخدم فكرة النموذج بشكل شبه واع أو غير واعٍ، فكل نص إنساني، مهما بلغت سطحيته أو عمقه، يحتوي على نموذج ما (بمعنى رؤية للكون) . فدراسة ماركس للمجتمع الغربي تدور حول نموذج «الرأسمالية الرشيدة» (رغم أنه لم يستخدم المصطلح) ، وأي كتاب تاريخ يستخدم نماذج تحليلية مثل «الثورة الصناعية» أو «عصر النهضة» ، فهذه ليست وقائع إمبريقية، وإنما هي مفهوم أو صورة مجازية تضم ما يتصوره الباحثون السمات العامة لهذه الثورة أو ذلك العصر.

ولكننا نضع مقابل هذا النموذج الإدراكي (غير الواعي أو شبه الواعي) ما نسميه «النموذج التفسيري التحليلي» وهو النموذج الذي يصوغه باحث ما بشكل واع ليقوم من خلاله بتحليل الظواهر، أي أنه يحوِّل النشاط غير الواعي إلى عملية واعية بذاتها وبالإجراءات اللازم اتباعها. وبهذا المعنى تكون الدراسة من خلال النموذج (أداة) لا تُشكِّل قطيعة معرفية مع المناهج القائمة بقدر ما تُشكِّل محاولة للتنبيه على أهمية شيء قائم بالفعل، ربما على مستوى الكمون (أو شبكة العلاقات التي تشكل ماهية الشيء) ، ثم نضع مقابل كل هذا البنية، وهي النموذج كما يتبدَّى في نص أو ظاهرة ما، خارج عملية الإدراك.

<<  <  ج: ص:  >  >>