وأدَّت عمليات التحديث والعلمنة التي قامت بها الدولة المطلقة إلى ظهور نواة مستنيرة داخل الجماعات اليهودية يُقال لها «المسكليم» أي دعاة الاستنارة، وهي جماعات كانت منتمية بشكل شبه كامل للفكر الغربي غير اليهودي. كما ظهرت في صفوف اليهود جماعات مهنية وقطاعات اقتصادية مرتبطة بالاقتصاد الغربي الرأسمالي الجديد. لكل هذا، انتشر فكر عصر الاستنارة بينهم، وكانت الجماعات اليهودية عشية الثورة الفرنسية والانعتاق السياسي مهيأة لتقبُّل تحولات عنيفة. وتُعَدُّ معظم الفلسفات اليهودية الحديثة التي طُرحت في القرن التاسع عشر الميلادي، مثل الصهيونية وقومية الجماعات (الدياسبورا) ، استجابات لهذه التحولات.
وقد أخذت الفكرة الصهيونية تتغلغل في الفكر الغربي، الديني والعلماني، حتى أصبحت الإطار المرجعي الأساسي الذي يتم إدراك اليهود من خلاله، وأصبحت فلسطين مرتبطة في الذهن الغربي باليهود. ومع تزايد معدلات العلمنة في المجتمع الغربي، لم تختف الفكرة بل تم ترشيدها، واستُبعدت منها العناصر الغيبية مثل الشعب الشاهد والعقيدة الاسترجاعية، واكتسبت شكلاً علمانياً وأصبحت جزءاً من المشروع الاستعماري الغربي، فدعا توماس شيرلي إلى أن توطين اليهود في إنجلترا «لا لأنهم يهود وإنما لأنهم عنصر تجاري» .