للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الجماهير، فقد ازداد ارتباطها بالماضي البدوي البسيط وبُمثله العليا وبعبادة يهوه. وقد قامت طبقة المثقفين الذين لم يجدوا مكاناً لأنفسهم في الهيكل السياسي الملكي الجديد بقيادة هذه الجماهير، كما أن هؤلاء المثقفين هم الذين عمَّقوا وطوَّروا ديانة يهوه. وكانت القضية الأساسية التي واجهوها هي قضية العدالة الإلهية (إذ كيف يمكن تفسير بؤس الجماهير؟) ، فقاموا بتطوير العقيدة على أسس عقلانية للإجابة عن هذا السؤال بطريقة تلائم نفسية الجماهير وحسها الديني وتطلعها إلى توضيح الأمور بالنسبة لمصيرها وحلمها بمستقبل مزهر. ومن هنا، كان الإيمان بأن يهوه يتصرف ككائن عاقل يمكنه أن يُغيِّر قراراته. ويصبح أساس هذه الرؤية هو أن يحاول الإنسان أن يكتشف إرادة يهوه وتعاليمه وأن يكشفها للجماهير حتى يمكنها أن تحيا حسب هذه التعاليم، وبالتالي يمكن التأثير في يهوه ليغيِّر قراراته ولينقذ المؤمنين به من البؤس السياسي والاجتماعي.

وقد ورث الأنبياء تراث اللاويين وأنبياء الحروب (القضاة) ، فحاولوا كأسلافهم اكتشاف إرادة يهوه وتحاشوا الطقوس السحرية. والنبي، بحسب تعريف فيبر، هو «إيش هارواح» ، وهي عبارة عبرية تعني «رجل الروح» . ويضيف فيبر إلى هذه العبارة كلمة «عقلانية» ليصبح النبي هو «رجل الروح العقلانية» ، أي المعادي للسحر والمنتمي إلى دعاة الترشيد، وهو أيضاً رجل جماهير ( «ديماجوج» أي «مهيج» ) . وربط الأنبياء فكرة العهد أو الميثاق مع يهوه برؤيتهم للمستقبل وللحرية النهائية لأعضاء جماعة يسرائيل، وكانوا يتصورون أن يهوه سيدخل مستقبلاً في ميثاق لا مع جماعة يسرائيل وحسب بل ومع أعدائها ومع كل الشعوب، وحتى مع المملكة الحيوانية. ويرى فيبر أن إسهام الأنبياء يتلخص في أنهم عمَّقوا عقلانية مفهوم يهوه فربطوا بينه وبين الجماهير، وجعلوا من يهوه إلهاً للعالمين، وبذا حققوا الانتصار النهائي لعملية الترشيد التوحيدي على العناصر السحرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>