للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تركت العلمانية أثراً عميقاً في اليهودية. والواقع أنه، حينما تصاعدت معدلات العلمنة في المجتمع الغربي، كانت اليهودية الحاخامية قد دخلت مرحلة الأزمة، وهيمنت القبَّالاة الحلولية على الجماهير اليهودية بحيث أصبحت رؤيتها للكون حلولية متطرفة. ونتيجةً لذلك، بدأت مرحلة التفجرات المشيحانية ومن أهمها حركة شبتاي تسفي، والتي بدأت في سالونيكا والدولة العثمانية وانتشرت منها إلى أرجاء العالم في القرن السابع عشر، وتبعتها الحركة الفرانكية في بولندا في القرن الثامن عشر، وانتهت بالحركة الحسيدية التي سيطرت على معظم جماهير اليهود في شرق أوربا مع نهاية القرن الثامن عشر. لكل هذا، كانت اليهودية قد وصلت إلى مرحلة تتطلب «الإصلاح الديني» . ولكن، بسبب تكلس اليهودية الحاخامية شكلاً ومضموناً بين أوساط النخبة الدينية، وبسبب انتشار الحلولية بين الجماهير، أصبح من العسير إصلاح اليهودية من الداخل. وأخذ الإصلاح شكل تبنِّي الأشكال الدينية الإصلاحية المسيحية، ثم تحوَّلت إلى العلمنة الصريحة بعد فترة. وقد بدأ الإصلاح الديني بمحاولة إصلاح الجانب الجمالي، فأُلقيت المواعظ باللغة السائدة في المجتمع، وأُدخل الغناء في الصلوات حيث كانت تؤديه في البداية جوقة من الذكور ثم جوقة مختلطة، كما أُدخل الأرغن، وهذه كلها عناصر مستمدة من طقوس العبادات المسيحية. ثم تصاعدت درجة الإصلاح الديني وتجاوزت الجانب الجمالي ووصلت إلى الجانب العقيدي، فظهرت اليهودية الإصلاحية والمحافظة والتجديدية، وهي صيغ من اليهودية مخففة للغاية لا تعترف بها اليهودية الأرثوذكسية الحاخامية ولا تعترف بحاخاماتها. ومن هنا كان ظهور مشكلة من هو اليهودي؟

<<  <  ج: ص:  >  >>