ويُلاحَظ أن نسبة اليهود تتزايد في قطاعات المجتمع التي تتصف بقدر عال من العلمنة والتحرر من القيم المطلقة. ولذا، نجدهم يتركزون في القطاعات التي يتحول الإنسان فيها إلى مادة عامة استهلاكية، وفي تلك القطاعات التي تتسم بالعلاقات التعاقدية وعدم الإيمان بالحرمات، مثل: صناعة السينما، والصحافة الرخيصة، وتجارة الرقيق الأبيض، وتجارة العقارات. ولعل هذا البروز في الحضارة العلمانية، وكذلك التركز في قطاعات اقتصادية بعينها (بعضها مشين) ، هو ما جعل البعض يتصور أن ثمة مؤامرة يهودية لعلمنة العالم، أو أن العلمنة ما هي إلا عملية يقوم اليهود بنشرها وإذاعتها. وهذا التصوُّر يفترض أنه لو اختفى اليهود لاختفت العلمانية، وهو تصوُّر يخلط بين الجزء الفعال (اليهود) والكل المركب (العلمانية) ، وهو افتراض يفشل بطبيعة الحال في تفسير انتشار العلمانية في ربوع العالم في الصين والهند واليابان ونيجيريا حيث لا يوجد يهود على الإطلاق.
وتختلف معدلات العلمنة بين أعضاء الجماعات اليهودية من بلد إلى آخر، كما تختلف أشكال العلمنة حسب المحيط الحضاري. ففي أمريكا اللاتينية حيث كانت معدلات العلمنة منخفضة في المجتمع، كان معدلها منخفضاً بين الجماعات اليهودية. وقد احتفظت كل جماعة منها بهويتها الدينية والإثنية، ومن هنا كان انقسام يهود أمريكا اللاتينية إلى جماعات متنافرة. ولكن، مع تزايُد العلمنة في المجتمع ككل، يُلاحَظ أيضاً تزايُد معدلات العلمنة بين أعضاء الجماعات اليهودية وانصهارهم في المجتمع اللاتيني أو انصرافهم عن الدين وانخراطهم في المحافل الماسونية والنوادي الاجتماعية أو اندماجهم في جماعة واحدة. أما في فرنسا وإنجلترا، فقد زادت معدلات العلمنة وأخذت شكل الابتعاد عن الكنيسة. وقد انعكس هذا الوضع على يهود البلدين، فانصرفوا هم أيضاً عن الذهاب إلى المعبد اليهودي.