وتتَّسم الدعوة القومية في الولايات المتحدة بأنها كانت دعوة إثنية، لأن المجتمع الأمريكي مجتمع مهاجرين، فيه أعراق كثيرة، ولذا أصبح التضامن الإثني هو الإمكانية الوحيدة المتاحة أمام الأمريكيين، وكانت بوتقة الصهر هي الآلية التي يمكن من خلالها إذابة الإثنيات الخاصة السابقة للمهاجرين لتحل محلها الإثنية الأمريكية العامة الجديدة. كان العنصر العرْقي موجوداً منذ البداية (ويظهر في التمييز العنصري، أي العرْقي، ضد السود والآسيويين والعرب) ولكنه كان هامشياً، ومع تزايُد معدلات العلمنة في الولايات المتحدة، وظهور حركات الأقليات مثل حركة تحرُّر السود، ظهرت حاجة لدى المواطن الأمريكي أن يشعر بانتماء ما يضرب بجذوره في شكل من أشكال الخصوصية، وهو ما أدَّى إلى بعث الإثنيات المختلفة. وقد شجع المجتمع هذا البعث الإثني شريطة ألا يتعارض مع الولاء القومي أو مع العقد الاجتماعي الأمريكي، فبإمكان المواطن الأمريكي أن يأكل من طعامه الإثني ويرقص من رقصاته الإثنية في حياته الخاصة وربما العامة، ما حلا له من مأكل ومرقص، على أن يظل سلوكه في رقعة الحياة العامة غير متناقض في أساسياته مع رؤية المجتمع وإيقاعه الأساسي وحياته، أي أن الانتماءات الإثنية الخاصة تُعامَل تماماً معاملة الانتماءات الدينية المختلفة، التي أظهر المجتمع إزاءها التسامح طالما لا تتجاوز رقعة الحياة الخاصة.