نتج عن هذا التأرجح اختلال في تحديد مستوى التعميم والتخصيص الملائم لدراسة الظاهرة. فهناك، من ناحية، الميل نحو التركيز على التفرُّد والخصوصية اليهودية والتفاصيل المتناثرة. ومن ناحية أخرى، هناك الميل نحو التركيز على ما هو عام جداً وتجاهل نتوء الظاهرة وخصوصيتها ومنحناها الخاص، ومحاولة تفسيرها في إطار القانون العام الواحد الشامل وكأنها سطح أملس ليست له شخصية أو هوية. وهذا التأرجح يسم معظم النماذج التحليلية السائدة.
٤ ـ من النتائج الأخرى لنزع الظواهر اليهودية من سياقها التاريخي الإنساني المركب أنها لم يَعُد يُنظَر لها باعتبارها ظواهر كلية مركبة لها تجلياتها على المستويات السياسية والاقتصادية والدينية والمعرفية، ولذا تم تسييس الخطاب التحليلي العربي بشكل متطرف، بحيث يُناقَش كل موضوع في إطار أبعاده السياسية والاقتصادية المباشرة وحسب، وتم استبعاد الأبعاد المعرفية (رؤية الصهاينة للكون ـ رؤية العالم الغربي لذاته ولليهود) التي لا يمكن فهم الأبعاد السياسية والاقتصادية حق الفهم بدونها. وبذلك، تم عزل هذه الظواهر عن كثير من السياقات الفكرية والدينية والحضارية، وتم اختزالها إلى بُعد واحد واضح وسهل ومباشر.
٥ ـ ويرتبط بهذا عيب آخر هو أن "الفكر الصهيوني" ينحل في عقل كثير من الباحثين إلى "أفكار صهيونية"، أي مجموعة من الأفكار لا يربطها رابط وليست جزءاً من منظومة مترابطة متكاملة. وعملية التفتيت هذه تؤدي إلى مزيد من التسطح وتعوق عملية التفسير النقدية المتعمقة.