للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصهيونية، رغم أنها إحدى الاستجابات اليهودية لعملية التحديث، وذلك باعتبارها محاولة لتقديم حل حديث للمسألة اليهودية (العنوان الفرعي لكتاب هرتزل دولة اليهود) ، فإنها استجابة سطحية للغاية. فقد امتصت كثيراً من ديباجات التحديث المختلفة، مثل العلمانية والاشتراكية، وطرحت شعارات تحديثية مثل «تطبيع اليهود» وغير ذلك من الشعارات مع احتفاظها ببنية تقليدية جيتوية. طرحت الصهيونية مفاهيم، مثل الشعب اليهودي والتاريخ اليهودي، تبدو كأنها مفاهيم حديثة، ولكن الباحث المدقق سيكتشف أن الشعب اليهودي هو الشعب المختار بعد علمنته، والتاريخ اليهودي، هو امتداد للتاريخ المقدَّس الذي ورد في العهد القديم والذي يفترض علاقة خاصة مع الإله بعد أن تم صبغه بصبغة دنيوية. والدولة الصهيونية دولة وظيفية تجارية قتالية تشبه في كثير من النواحي الجماعات اليهودية الوظيفية الوسيطة.

ولقد أنجزت الصهيونية تحديث بعض أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوربا عن طريق ضمهم إلى المشروع الاستعماري الغربي، الذي حولهم إلى مستوطنين في فلسطين يعيشون داخل جيب غربي يدار بطريقة غربية حديثة. ولكن مجتمعات المستوطنين البيض لم يكن لها أي أثر تحديثي في المجتمعات الآسيوية والأفريقية التي تواجدت بين ظهرانيها. فمؤسسات المجتمع الاستيطاني المقصورة على المستوطنين تتسم بأنها مؤسسات حديثة تدار بطريقة حديثة، بما يتضمنه ذلك من محاولات للترشيد وتعظيم الربح وخلافه، ومع هذا تحاول هذه المؤسسات قصارى جهدها أن تمنع تطبيق المثل نفسه على المجتمعات المحيطة بها وتحاول أن تُبقيها في حالة التخلف والتجزئة، لأن تحديث هذه المجتمعات فيه قضاء على الخلية الاستيطانية وعلى فرص استغلال الأرض ومَنْ عليها من بشر. ولذا، نجد أن المجتمع الاستيطاني هو مجتمع حديث للغاية يبذل قصارى جهده لئلا تنتشر عملية التحديث!

<<  <  ج: ص:  >  >>