٢ ـ ولكن، مهما كانت الدوافع، فإن نابليون كان من نتاج عصر الاستنارة، وكان نفعياً لا يؤمن بأية عقيدة دينية، ولذا فإنه لم يكن ليتوانى عن استغلال الدين أو أية عقيدة أخرى. وعلى هذا، فإنه، في ندائه إلى يهود العالم، يتحدث عن حقوقهم التي وردت في العهد القديم وعن احترام الأنبياء (وهو لا يؤمن بأيٍّ منهم) . وحينما يصل إلى مصر، فإنه يتحدث عن الإسلام بإجلال شديد ويعلن أنه لم يأت إلى ديار المسلمين إلا للدفاع عن الإسلام ولحمايتهم من الظلم.
ومما يجدر ملاحظته أنه، على الرغم من أن سياسة نابليون بالنسبة ليهود فرنسا كانت ترمي إلى تحويلهم من جماعة وظيفية وسيطة لها سماتها وخصوصيتها إلى جزء من التشكيل الطبقي والحضاري الفرنسي، لا خصوصية له بل مندمج تماماً في محيطه، فإن سياسته في الشرق كانت تقف على الطرف النقيض من ذلك، فقد كانت ترمي إلى تأكيد خصوصية اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً، إذ أن هذه الخصوصية هي مصدر عزلتهم، وعزلتهم هي التي ستجعل بالإمكان تحويلهم إلى جماعة وظيفية قتالية استيطانية تُوطَّن في فلسطين لتقوم على خدمة الاستعمار الفرنسي والغربي.
ويُلاحَظ أن المسألة الشرقية، أي ضعف الدولة العثمانية والميراث الذي ستتركه بعد موتها، قد بدأت تلتقي بالمسألة اليهودية. وتتبدَّى عبقرية نابليون في أنه قرر توظيف المسألة اليهودية والجماعات اليهودية في حل المسألة الشرقية حلاًّ يتناسب مع مصالحه.
والنمط الكامن في تفكير نابليون هو أيضاً النمط الكامن في النظرية الاستعمارية الغربية تجاه الشرق وتجاه أعضاء الجماعات اليهودية، وقد تبدى هذا النمط في وعد بلفور في بداية الأمر، ثم وصل ذروته مع توقيع الاتفاق الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة عام ١٩٨٢.