للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند هذه النقطة، تُطرَح قضية مدى نَفْع اليهود ومدى إنتاجيتهم، وتُثار الأسئلة الخاصة بازدواج الولاء، بكون اليهود يشكلون دولة داخل دولة. وبالتالي، فإن المسألة اليهودية (أي بداية الاستغناء عن الجماعات الوظيفية اليهودية) بدأت مع الثورة التجارية وظهور الدولة القومية المركزية (المطلقة ثم الليبرالية ثم الشمولية) التي قامت بتوحيد جميع مناحي الحياة ودمج المواطنين كافة، وطالبتهم بالولاء الكامل والانتماء غير المشروط لها، وحاولت أن تصهرهم جميعاً (بما في ذلك أعضاء الأقليات) في بوتقة واحدة ينتظمها إطار واحد. وعلى هذا، أُعطىَ اليهود حقوقهم السياسية (أي تم إعتاقهم) ، وفُتحت أمامهم مجالات الحراك الاجتماعي، وسُمح لهم بالعمل في جميع الوظائف وفي الخدمة العسكرية، وأُسقطت حوائط الجيتو. ولكنهم طُولبوا في المقابل بأن يصلحوا أنفسهم وأن يتخلوا لا عن انعزاليتهم وحسب، وإنما عن خصوصيتهم أيضاً، فالمُثُل السائدة في الغرب آنذاك كانت هي مُثُل عصر الاستنارة "الأممية" التي تدور حول فكرة الإنسان الطبيعي. ومن ثم تعيَّن على أعضاء الجماعات اليهودية ألا يستخدموا سوى لغة الوطن الأم وأن ينبذوا اليديشية أو أية لغات أو لهجات أو رطانات سرية أو علنية خاصة بهم. وبخاصة في المعاملات التجارية حتى لا يغشوا أحداً (مثلما حُرِّم على الصينيين استخدام الصينية في المعاملات التجارية في الفلبين) ، كما طولبوا بتغيير أزيائهم وأسمائهم، بل إدخال إصلاحات على عقيدتهم الدينية بحذف الجوانب القومية من عقيدتهم لتصفية أي اشتباه في ازدواج الولاء. كما أصبح مفروضاً على اليهود عدم تدريس التلمود إلا بعد سن معينة. وكانت الدولة تقوم بتدريب حاخامات في مدارس دينية يهودية تشرف عليها، كما كانت تتدخل في تعليم اليهود كلَّ شيء بما في ذلك تعليمهم الدين، بل كانت تتدخل أحياناً في تحديد سن الزواج وعدد الأطفال المصرَّح بإنجابهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>