وحتى النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، لم تكن معظم هذه البلاد تضم جماعات يهودية كبيرة، إما لعدم وجود يهود فيها أصلاً أو لأنهم طُردوا منها في مرحلة سابقة. وحينما استوطن اليهود مرةً أخرى في هذه البلاد، ابتداءً من القرن السادس عشر الميلادي أي مع بدايات التحديث، فإنهم استقروا في بلاد تحددت فيها الملامح الأساسية للاقتصاد التجاري الرأسمالي، وكانت تضم طبقة تجارية محلية قوية لا تخشى منافسة رأس المال اليهودي بل ترحب به لحاجتها إلى الاستثمارات في المشاريع الرأسمالية والاستعمارية المختلفة. وقد تم توطين أعضاء الجماعات اليهودية في هولندا وإنجلترا في القرن السابع عشر، ثم في العالم الجديد داخل هذا الإطار.
وقد كان اليهود الذين استقروا في هذه البلاد من أصل سفاردي ولديهم كثير من الكفاءات المطلوبة والاتصالات الدولية المهمة، كما كانوا متقدمين من الناحية الحضارية. ثم انضمت إليهم عناصر من الإشكناز شكلوا الأغلبية فيما بعد واستوعبوا كثيراً من عناصر الحضارة الغربية حولهم.
ورغم أن العنصر الإشكنازي كان متمايزاً حضارياً ووظيفياً، إلا أن هذا التمايز تقوَّض بمرور الوقت من خلال المعدلات السريعة للتحديث وفتح باب الحراك الاجتماعي، وكذلك من خلال التقاليد السياسية الليبرالية السمحة. واستمرت عملية دمجهم في المجتمع حتى زال التمايز الوظيفي والاقتصادي تماماً، ثم تبعه التمايز السياسي والحضاري.