وقد قُدِّر للمسألة اليهودية أن تُحَلّ، ولكن الصهيونية لم تكن المسئولة عن ذلك في واقع الأمر. بل إن ظهور الصهيونية يعوق إتمام هذه العملية التي ستؤدي في نهاية الأمر إلى تحوُّل اليهودية إلى انتماء ديني وحسب، وإلى سقوط الأوهام الدينية القومية التي أفرزها وضع الجماعات اليهودية المتميِّزة كجماعة وظيفية وسيطة. وقد اندمج يهود غرب أوربا في مجتمعاتهم، وازداد هذا الاندماج بعد انحسار موجة هجرة يهود اليديشية. وفي ألمانيا، حُلَّت المسألة نتيجة لظروفها الخاصة بالطريقة النازية، أي بالإبادة، وذلك بعد فشل محاولات التهجير القسري لليهود. أما في الولايات المتحدة، ورغم أن الجذور الجيتوية اليديشية (الشرق أوربية) لا يزال لها أثر في التكوين الاقتصادي والنفسي للجماعة اليهودية، مثل تركُّزهم في أحياء خاصة بهم وزيادة عددهم في الصناعات الاستهلاكية والمهن الحرة، إلا أن أعضاء الجماعة اليهودية قد حققوا على وجه العموم الاندماج الاقتصادي والحضاري شبه الكامل. ومن ثم، فإن الهجرة من صفوف يهود أمريكا إلى إسرائيل تكاد تنعدم. وقد حلَّت الثورة البلشفية المسألة اليهودية في روسيا، ثم في بولندا، بتحقيق المساواة بين الأقليات الدينية والعرْقية كافة.
ومن الضروري، ونحن ندرس المسألة اليهودية، أن نميِّز بينها وبين المسألة الإسرائيلية. فالمسألة اليهودية هي مشكلة يهود أوربا، وبخاصة يهود اليديشية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. أما المسألة الإسرائيلية، فهي مشكلة التجمع الاستيطاني الصهيوني، خصوصاً جيل الصابرا الذي وُلد على أرض فلسطين، ونشأ فيها، ولا يعرف لنفسه وطناً آخر. وقد تشابكت المسألتان، ولكن يظل لكل مسألة حركياتها وآلياتها ومسرحها التاريخي والجغرافي المختلف.