للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما ساهم في تعثُّر حركة الإعتاق أنها لم تكن ثمرة جهود أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب، كما أنها لم تنبع من تجربتهم الحضارية وإنما جاءت نتيجةً للتطور الخارجي للمجتمع بمبادرة من العالم غير اليهودي. ولم يكن أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوربا (أي يهود اليديشية) مهيئين نفسياً أو حضارياً لتقبُّل الوضع الجديد، وهو ما جعل عملية دمجهم عسيرة. لكل هذا، أدَّت عملية الإعتاق إلى ظهور بعض المشاكل والأزمات ليهود أوربا. فعلى سبيل المثال، أدَّت حركة الإعتاق إلى ظهور أزمة هوية بين اليهود، إذ كان عليهم إعادة تعريف أنفسهم كجماعة دينية وحسب، وهو ما أثار وبحدة قضية الشعائر والمفاهيم اليهودية التي سُمِّيت «قومية» مثل الرغبة في العودة إلى صهيون أو الحديث عن الشعب اليهودي. وتُعَدُّ الفرق اليهودية الحديثة المختلفة، مثل اليهودية الإصلاحية والمحافظة والأرثوذكسية، محاولةً للإجابة عن مشكلة الهوية هذه. كما أن عملية الإعتاق التي تمت بمبادرة العالم غير اليهودي كانت كثيراً ما تدفع بعض أعضاء الجماعات اليهودية إلى التشبه بأعضاء الأغلبية وبأسلوب حياتهم وتبنِّي سائر الأشكال الدينية والحضارية السائدة في المجتمع بشكل متطرف، الأمر الذي نجم عنه انصهار أعداد كبيرة من اليهود في المجتمع الأم وتفسُّخ أعداد أخرى منهم أخلاقياً بسبب فقدان الهوية. وقد حدث العكس أيضاً إذ رفض بعض أعضاء الجماعات اليهودية حركة الإعتاق وآثروا الانسحاب إلى الماضي.

وتحت تأثير الفكر العنصري والإمبريالي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وفشل بعض قطاعات اليهود في تحقيق الحراك الاجتماعي الذي كانت تطمح إليه، ووبخاصة بسبب تعثُّر التحديث في روسيا وبولندا، ظهرت المُثُل الصهيونية بديلاً لفكرة الإعتاق والاندماج.

<<  <  ج: ص:  >  >>