ولكن، ورغم الادعاءات الصهيونية، فإن الأغلبية الساحقة من يهود العالم الموجودين في العالم الغربي يتمتعون بثمرة نجاح حركة الإعتاق، ومن ثم يطلق عليهم «يهود مرحلة ما بعد الانعتاق» . فيهود الولايات المتحدة مندمجون تماماً في مجتمعاتهم، وقد حصلوا على الحقوق المدنية والسياسية كافة، ويساهمون في مجتمعهم كمواطنين أمريكيين. ويهود الاتحاد السوفيتي لا يختلفون عن ذلك كثيراً. فرغم عدم سيادة المُثُل الديموقراطية والليبرالية في المجتمع السوفيتي حتى عهد قريب، فإن اليهود السوفييت حصلوا على حقوق سياسية مماثلة لحقوق المواطنين في مجتمعهم، وبالتالي فقد تحققت مُثُل المساواة بالنسبة إليهم. وهم مندمجون حضارياً في بيئتهم ولا يتسمون بأيِّ تمايز وظيفي أو مهني (إلا بدرجات قليلة للغاية) ، فليس لهم مؤسسات قانونية مقصورة عليهم. ومعاناة اليهود السوفييت لم تكن مقصورة عليهم بوصفهم يهوداً، وإنما هي ناجمة عن انتمائهم إلى المجتمع السوفيتي الاشتراكي، وكذلك فإن دوافع الهجرة عند اليهود السوفييت هي دوافع مرتبطة تماماً بحركيات المجتمع السوفيتي وليس بأية حركيات يهودية مستقلة. ولذا، فإن أغلبية المهاجرين من اليهود السوفييت كانت تتجه إلى الولايات المتحدة، وإن اتجهوا إلى الدولة الصهيونية فإن دوافعهم كانت في العادة اقتصادية محضة. ومن هذا المنظور، فإن مُثُل الاستنارة والانعتاق قد تحققت تماماً بالنسبة لأغلبية يهود العالم. وأدَّى نجاح حركة إعتاق اليهود إلى ظهور مشاكل خاصة بمرحلة ما بعد الانعتاق. وفي مواجهة حقيقة نجاح حركة الإعتاق، يصبح من العسير على الصهاينة الدفاع عن فكرة فشلها. ولذا، تلجأ الأدبيات الصهيونية إلى إثارة الشك بشأن مدى إيجابية حركة الإعتاق باعتبار أنها تؤدي إلى الاندماج والإبادة الصامتة. وقد طالب المفكر الصهيوني حاييم كابلان بالكف عن الإعتاق والرجوع عن مُثُله، والنظر إلى أعضاء الجماعات لا باعتبارهم أفراداً لكلٍّ