للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشرنا إلى أن فكر حركة التنوير كان يحوي داخله منذ البداية تناقضاً أساسياً بين النزعة العقلانية التي تؤكد العام والمجرد وترفض الخصوصية ومن ثم تؤدي إلى الاندماج من جهة، ومن جهة أخرى النزعة (غير العقلانية) الإمبريقية الحسية (الرومانسية) التي تؤكد الخاص ومن ثم تؤدي إلى العزلة. وانعكس هذا التناقض في فكر مندلسون ثم في علم اليهودية. ويجب تَذكُّر أن اليهودية المحافظة لم تخرج من التراث الديني التقليدي وإنما هي وليدة حركة التنوير، وعلم اليهودية، والرؤية النقدية والعلمية للتاريخ.

ومع هذا، ورغم انحسار حركة التنوير بوصفها حركة فكرية واعية، ظلت مقولاتها سائدة بين أعضاء الجماعات بشكل ظاهر وكامن، كما أن بنية المجتمع الغربي ذاتها تغيَّرت بشكل أصبح معه التراجع عن مُثُل الاستنارة أمراً عسيراً وصعباً. فلم تَعُد هناك حاجة إلى جماعات وظيفية وسيطة، وأصبحت المساواة بين جميع الأفراد حقيقة تكاد تكون من المسلمات التي تستند إليها النظم السياسية. وزادت معدلات العلمنة وعدم الاكتراث بالدين في المجتمع ككل بحيث لم يَعُد التمييز بين الأفراد يتم على أساس ديني. وحينما كان التمييز يتم على أساس عرْقي، كما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن اليهود كانوا يُعتبَرون من الجنس الأبيض. ولذا، يمكن القول بأنه، برغم تراجع حركة التنوير بين اليهود وضَعْف حركة الاستنارة في العالم الغربي وتعثُّرها، فإن مُثُلهما سادت في نهاية الأمر المجتمع الغربي وبين أعضاء الجماعات اليهودية.

التنويري اليهودي: فكر

Haskalah Thought

<<  <  ج: ص:  >  >>