للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد تحوَّل اليهود، نظراً لغربتهم وعدم تَجذُّرهم وبسبب الطبيعة السائلة لثروتهم، إلى عنصر بشري متحرك وموضوعي ومجرد: موضوعي لأنه يُنظَر إليه دائماً من الخارج، ومجرد لأنه لا يوجد داخل سياق مُحدَّد. وأصبح أعضاء الجماعة يجسدون ضرباً من الاقتصاد الحركي المجرد داخل الاقتصاد الزراعي الثابت الطبيعي. ووصل هذا التجريد إلى قمته في التنظيم الكامل لعلاقة اليهود بالمجتمع، وفي إحلال العلاقات القانونية التعاقدية محل العلاقات التقليدية الشخصية المبنية على كلمة الشرف والثقة التي كانت سائدة في المجتمع الإقطاعي. فكانت المواثيق التي تُمنَح لليهود تحاول أن تنظم كل جوانب العلاقات الممكنة بين المجتمع المسيحي وأعضاء الجماعة اليهودية، وهي علاقات كان الهدف منها، بالنسبة إلى الطرفين، الربح الاقتصادي المحض. وفكرة القانون اللاشخصي والعلاقات البشرية (علاقات إنسانية بين أشياء وعلاقات إنتاج بين بشر) هما الجوهر النفعي للاقتصاد والمجتمع الرأسماليين. ويمكننا القول بأن اليهود أصبحوا نواة الجيسيلشافت Gesellschaft (المجتمع التعاقدي الذري المفتت) في داخل الجماينشافت Gemeinschaft (الجماعة العضوية التراحمية المترابطة التقليدية) .

وأدَّى عدم انتماء اليهود وتجريدهم - إلى جانب وجود التبادل الاختياري بين اليهودية والرأسمالية - إلى تحوُّل أعضاء الجماعة إلى الخميرة التي ساعدت على نشوء الرأسمالية، دون أن يكونوا بالضرورة السبب الوحيد أو حتى الأساسي في العملية التاريخية المركَّبة التي أدَّت إلى ظهور الرأسمالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>