ولكن ثمة جانباً آخر في تجربة المارانو هو الذي أدَّى إلى هز اليهودية الحاخامية من جذورها، وقسَّم يهود أوربا إلى طوائف وفرق. ذلك هو الدور الذي لعبوه في الحركات المشيحانية. وكما بيَّنا، كان المارانو ينكرون أن المسيح هو الماشيَّح ولكن وجودهم في كنف حضارة مسيحية، عمَّق إحساسهم بأهمية شخصية المسيح ومركزيتها. ولذا، ظلت العقيدة المشيحانية حية قوية بينهم، وأدَّى وضعهم وخوفهم الشديد من محاكم التفتيش إلى تعميق النزعة المشيحانية بينهم وزاد من حرارتها. كما ظل المارانو، بسبب كونهم يهوداً متخفين، غير قادرين على تنفيذ الأوامر والنواهي كافة، ولذا أخذوا في تأكيد أهمية الإيمان المجرد وعدم أهمية الالتزام بالعبادات والشعائر. بل إن بعضهم جعل من خرق الشريعة فضيلة. وثمة بُعد اجتماعي سياسي لتعاظم النزعة المشيحانية بينهم، فقد كان للمارانو وضع متميز في شبه جزيرة أيبريا قبل طردهم حيث كان منهم الوزراء والملتزمون وكبار التجار. وقد تدنَّى وضعهم في البلدان الأوربية الجديدة التي استوطنوا فيها. كما أنهم، حتى بعد أن أحرزوا مكانة عالية، ظلوا بعيدين عن المشاركة في السلطة السياسية.
وساهم المارانو في نشر القبَّالاه اللوريانية التي تجعل اليهود عماد الخلاص في العالم، والتي ربطت بين التصوف والنزعة المشيحانية، والتي تعوِّض اليهودي عن عدم مشاركته في السلطة السياسية بجعله شريكاً مع الخالق في خَلْق العالم، بل وفي تحقيق الرب لذاته ولوجوده. ولذا يمكن القول بأن المارانية شكل من أشكال العلمنة لا يختلف كثيراً عن الربوبية التي تؤمن بالإله الخالق وترى أنه يمكن التوصل إليه بالعقل دون حاجة إلى وحي أو رسل (وهذا هو أيضاً جوهر الماسونية الربوبية) .