ومما لا شك فيه أن أعضاء الجماعات اليهودية لعبوا دوراً فعالاً في نشوء وتطوُّر الرأسمالية في العالم الغربي، ولكن لا يمكن اعتبارهم مسئولين عن ظهورها. فتطوُّر الرأسمالية في الغرب مرتبط بظواهر لم يكن لليهود أي دور فيها، مثل: حركات الاكتشاف والقرصنة، ثم الاستعمار التجاري الاستيطاني في القرن السادس عشر، والإصلاح الديني، والترشيد والعلمنة. وقد تناول كلٌّ من ماركس وفيبر وسومبارت هذه القضية.
أما من ناحية تطوُّر اليهود كرأسماليين في إطار الحضارة الغربية، فهذا مرتبط بوضعهم كجماعة وظيفية تضطلع بوظائف مالية محددة، فقد كان منهم من اشتغل بالتجارة والربا، وكان منهم من اشتغل بالأعمال المالية الأخرى، مثل يهود الأرندا ويهود البلاط، ثم كان منهم أخيراً الرأسماليون المحدثون. وكان أعضاء الجماعة في وظائفهم المختلفة، حتى الانقلاب التجاري، تابعين للحاكم أو الطبقة الحاكمة وليس لهم أي استقلال اقتصادي عن النظم التي وجدوا فيها، فكانوا تابعين لها يعيشون على أطرافها وفي خدمتها. ومما لا شك فيه أن أعضاء الجماعات اليهودية استفادوا من العلاقات الدولية التي نشأت بينهم، فكان يهود البلاط يستوردون الحبوب من يهود الأرندا ويوفرون لبعضهم البعض نظاماً ائتمانياً يسهل عملية انتقال البضائع والأرباح، ولكنهم مع هذا ظلوا أساساً جزءاً من كل.
ويمكن تقسيم دور بعض أعضاء الجماعات اليهودية كرأسماليين داخل التشكيل الحضاري الغربي، إلى ثلاثة أقسام: