ولا يخرج موقف ستالين عن موقف الزعماء الماركسيين السابقين، فقد بيَّن أن اليهود ككل لا يجمعهم إلا الدين، وقد يكون لهم طابع قومي، ولكنهم لا يكوِّنون أمة واحدة عالمية، ذلك لأنهم متفرقون اقتصادياً، ويعيشون على أراض مختلفة، ويتكلمون لغات متعددة وليس لهم ثقافة مشتركة. وهذا، مرة أخرى، أمر بدهي واضح. ولكن ستالين ارتكب الخلل التحليلي نفسه الذي ارتكبه كل من لينين وماركس وإنجلز من قبله وهو التعامل مع الظاهرة على مستوى تعميم وتخصيص لا يتفق مع طبيعتها، وقد رفض، بطبيعة الحال، فكرة القومية اليهودية العالمية التي تنتظم كل يهود العالم. ولأن مثل هذه القومية غير موجودة، يتم الانتقال إلى الحد الأدنى، أي افتراض عدم وجود أية وحدة على الإطلاق، دون البحث عن مستوى وسيط من الخصوصية يتمثل في قومية يهودية يديشية مقصورة على يهود شرق أوربا وحدهم دون سواهم.
وقد تبنَّى خروشوف نفس الموقف المطلق الكلي، في تعليق له بجريدة الفيجارو في ٩ أبريل ١٩٥٩، إذ تحدَّث عن اليهود بشكل عام ومجرد، وبيَّن أن اليهود هم المسئولون عن فشل تجربة بيروبيجان «فاليهود منذ أقدم الأزمنة فضلوا الحرف الفردية، وهم لا يحبون العمل الجماعي ولا الانضباط الجماعي، كما أنهم في جميع الأوقات فضلوا أن يكونوا مُشتَّتين. وهم في الواقع فرديون، ومنذ قرون لا تُحصَى، لم يستطيعوا أن يعيشوا مجتمعين، أو أن يستمدوا وجودهم وتوازنهم من أنفسهم» . وهذا حديث لا يختلف عن نقد فولتير أو ماركس لليهود بشكل عام. ولو تخلَّى خروشوف عن مقولة اليهود، وتحدَّث بدلاً من ذلك عن الجماعات اليهودية المختلفة، فربما استطاع أن يُفسِّر الواقع اليهودي في الاتحاد السوفيتي، وأن يبين سبب رفض اليهود الاستيطان في بيروبيجان. ولأن السوفييت يرفضون فكرة أن اليهود يكوِّنون شعباً، فإنهم يرفضون الصهيونية ويعتبرونها حركة رجعية، بل استغلالية.